جولة الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين والتي من المرجّح انها الاخيرة قبيل موعد الانتخابات الاميركية في 5 نوفمبر المقبل، لا تحمل حسبما تفيد المعطيات تباشير حلّ نهائي أو حتى وقف إطلاق نار محدّد بفترة زمنية يصل مداها الى 21 يوماً يجري التفاوض خلالها حول آلية تطبيق الـ 1701 كما أشيع، فالمعضلة هي اسرائيلية بامتياز وقد بات معلوماً ان نتنياهو لا يريد للحرب ان تتوقف أقلّه في المدى المنظور ريثما يحقق تدميراً أكثر في بنية حزب الله فضلاً عن إجماع داخلي اسرائيلي بالمضي في الحرب.
وسط المشهد المعقّد ديبلوماسياً، يربط مراقبون المفاوضات بنتائج الميدان على وقع المواجهات البرية الدائرة في القرى الحدودية جنوباً بين حزب الله والجيش الاسرائيلي وتحديد الخسائر المتبادلة التي سترتب أوراق الحل وأسسه أو بعضاً منه، وفي حين تدور الاشتباكات الطاحنة برًا بين الطرفَين والمزاعم الاسرائيلية بإحداث ثغرات للتوغل في بعض القرى والاستيلاء على المنازل وتحقيق تقدّم بالاضافة الى كشفه عدد من الانفاق وتدميرها بما تَحويه من أسلحة وذخيرة وتوثيق ذلك من خلال نقل بعض المقاطع المصوّرة، مقابل تحوّل في استراتيجية الحزب القتالية من الدفاع ورد الفعل الى توجيه النار والانذارات والاستهدافات المحددة، اذ ينفّذ مقاتلو حزب الله في الميدان عند الحدود الخطة الدفاعية في الحرب التي أوصى بها السيد حسن نصرالله قبل اغتياله واعتقاد مقاتلي الحزب بهذا الأمر يشكّل دافعاً معنوياً كبيراً لهم ونقطة أساسية لصمودهم واستبسالهم في القتال.
بالطبع تبقى الإجابة رهن العديد من الوقائع والمؤثرات الميدانية والعسكرية، مع إمكانية حدوث مفاجآت تقلب الاوضاع وتعيد ترتيب حسابات الطرفين، إلا أن خلفية المشهد تبرز صورة أعمق تنطوي على كثير من الخطط الاستراتيجية التي تضمرها اسرائيل، وأبرزها العمل على انشاء منطقة عازلة من خلال استنساخ صيغة الحرب في غزة وتطبيقها في لبنان والتعامل عسكريا مع قرى الحافة الامامية والتي تشير التقديرات العسكرية انها تبلغ حوالي 3 كيلومتر والقيام بتدميرها وتجريفها والقضاء على معالم الحياة فيها من خلال تهجير سكانها بشكل نهائي وافراغها تمهيدا الى تحويلها الى غلاف عازل يفصل شمال مستوطناتها، وهو ما توحي به العمليات العسكرية المكثفة التي لا تستكين باتجاه قرى الجنوب واستخدام صواريخ تدميرية زلزالية اضافة الى قنابل الفوسفور، وصولا حتى نهر الاولي، وما لم يعرف حتى الان هو هل سيتم السماح لسكان هذه القرى بالعودة؟
من جهة ثانية، تتّجه اسرائيل الى تقطيع أوصال الاتصال الجغرافي للحزب مع خط امداده والمعابر مع سوريا وهي قامت بالفعل بقطع طريق المصنع الحدودي واقفاله بشكل شبه تام، وفرضت بالنار توقف الحركة هناك بما يشبه احتلاله بطريقة غير مباشرة، وهي بذلك أيضا تحاول استنساخ عملية معبر فلادلفيا الواصل بين غزة ومصر، تمهيداً لحصار بري مشدّد وهو استكمال للمشهد الذي تريده من خلال تفاوضها بالنار.