من الواضح أن الوقائع الميدانية عند الجبهة الجنوبية قد خرجت عن سياق ما كان متوقعاً، وكان التصدي المباشر لعمليات التوغل البري الذي أعاد تغيير المعادلات، وبالتالي استعاد “حزب الله” التوازن في المواجهة.
وفي هذا السياق، وحول مسار المواجهة الميدانية، يقول الخبير الإستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب، في حديثٍ لـ”ليبانون ديبايت”، إنه من المتعارف عليه أن قوى المقاومة والميليشيات وقوى التحرر، لا تملك تنظيماً عمودياً كالسرية أو الكتيبة، أو قائد لواء أو محور أو سرية، وإن كان هناك قائد محور أو مجموعة كقائد في الرضوان مثلاً. إذ أن انتشارها أفقي من خلال مجموعات موزعة في الميدان، وكل مجموعة لديها قائد ولديها تعليمات تعمل بموجبها.
ولا يُخفي ملاعب أن الخسائر في مجال الاتصالات، وهي عصب العمليات العسكرية، قد أثرت سلباً على الروح المعنوية لدى المجموعات الموجودة في الميدان، خصوصاً بعد خسارة قادة ومسؤولين في المقاومة. إلا أنه يكشف أنه تبيّن لاحقاً في الميدان، أن “حزب الله” كان يختزن لوجستيات وأسلحة وقوات في الجنوب، بشكلٍ أنه مهما كان هناك من قصف من الطيران، فإن لديهم أنفاقاً وأماكن اختباء تحت الأرض. لأن ما ظهر منذ محاولة الدخول البري إلى اليوم، أن هناك استعداداً كاملاً للتصدي لهذا الدخول.
وعن الخلاصات العسكرية لعمليات التوغل البري حتى اللحظة، يتحدث ملاعب عن 3 حالات واجهتها قوات الاحتلال وعانت منها لدى التوغل البري، وهي أولاً، إلغاء التفوق الجوي ودور الطيران عند الالتحام والاشتباك المباشر. وثانياً، سقوط قتلى من الضباط وذوي الرتب، إذ قُتل من قوات العدو 6 نقباء ورائد. وهذا يفضح واقعاً لديها، وهو أنه عندما يتقدم الضباط الجنود في المعركة، فهذا يعني أن الجنود خائفون، كما حصل في اقتحامات غزة. لأنه عندما يكون الضباط على رأس القوة ويُقتل ضباط بهذه الكثافة، فهذا يعني شلّ القوة المتقدمة، وهو ما استدعى تكليف فرقة جديدة بالتوغل، وهي الفرقة 91 التي لم تُستخدم في غزة، واستطاعت التوغل لأمتار في مارون الراس حيث وضعت العلم، ولكن ليس على مرتفع مارون الراس الذي يعلو 900 متر عن سطح البحر، وهو أعلى مرتفع في المنطقة، ومن يحتله يتحكم بالمنطقة، خصوصاً إذا كان يمتلك تقنيات متقدمة كالعدو ويمكن أن يستخدمها في القتال.
أما المسألة الثالثة، يقول ملاعب، فهي ما تسبب به استدعاء لواءين من الاحتياط. إذ في غزة تبيّن أن استدعاء الاحتياط أدى إلى سقوط جنود بنيران صديقة، لأن جندي الاحتياط يكون قد ترك الخدمة وتم استدعاؤه، ومهما تدرب على الأسلحة الحديثة والتقنيات الجديدة فلن يتمكن من استخدامها. ولذلك فهو لا يقاتل في الصفوف الأمامية، وإذا قاتل سيقتل رفاقه بنيران صديقة.
ومما تقدم، يوضح العميد ملاعب، كان تأخير التوغل من قبل العدو الإسرائيلي، من دون أن يعني ذلك أنه ارتدّ عن تحقيق أهدافه، خصوصاً وأن هدفه محدد وواضح ومعلن سياسياً وعسكرياً. وهو طالما أن الحزب لم يوافق على الخروج من منطقة قوات الطوارئ، سيتم القضاء على كل إمكاناته فيها، ما يدل على أن نية القتال طويلة.
وعن امتلاك زمام المبادرة من قبل الحزب في الميدان، يؤكد ملاعب أنه طالما أن هناك دعماً أميركياً قوياً للعدو، وطالما أن أي تنازل من الحزب يُقابل دائماً بالقوة المفرطة، على طريقة ما قاله رئيس أركان العدو: إنه “عندما ترى عدوك يضعف، زد قوتك”. لأن طلب وقف إطلاق النار يُفسّر إسرائيلياً بأنه ضعف، ولذلك تزيد إسرائيل هجماتها عليه.