جاء في “الراي” الكويتية:
يترنّح لبنان فوق فوهةٍ من أسئلةٍ مخيفة وكبرى تتطاير على وقع طاحونةِ «الحرب الثالثة» التي أطلقتْها اسرائيل على «بلاد الأرز» في 23 الجاري بعد أكثر من 11 شهراً على فتْح «جبهة المشاغَلة» عبر الجنوب وشكّل اغتيالُ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله يوم الجمعة (وقادة آخَرين معه) أعتى موجاتها على الإطلاق… ماذا سيفعل «حزب الله» ثأراً لقائده – الرمز الذي تَحوّل على امتداد نحو 32 عاماً رقماً صعباً في المعادلة اللبنانية والاقليمية؟ وهل يتراجع الحزب تحت وطأة الضربات المتوالية، والتي جاءت أقواها «على الرأس»، عن الإصرار على عدم فك المساريْن، بين جبهتيْ لبنان وغزة «مهما كلف الأمر»؟ وماذا ستفعل إيران لتشكيل خط دفاع عن ذراعها الأقوى في المنطقة والذي أمّن لها جسر وصول الى المتوسط؟ وهل ستفعل شيئاً شبيهاً باندفاعتها في 13 نيسان حين هاجمتْ اسرائيل مباشرة بعد استهداف قنصليتها في دمشق؟ وماذا سيفعل بنيامين نتنياهو الذي يُراكِم نقاطاً ذهبية في حربه التي حقّق فيها منذ 17 أيلول أهدافاً خارقة على الجبهة اللبنانية لم يتورّع لبلوغها عن سفْك دماء آلاف الضحايا والجرحى؟
وفيما لا يزال «حزب الله» منهمكاً في لملمةِ آثار «أمّ الغارات» في الضاحية الجنوبية والتي أعلنت اسرائيل أنها أدت الى مقتل 20 قيادياً غير نصر الله، وانتشال الضحايا ثم نعيهم رسمياً، يسود أولاً ترقُّب لحصولِ «انتقال السلطة» داخل الحزب وعلى الأرجح لهاشم صفي الدين، الأوفر حظاً لعلاقة القربى بنصرالله والمصاهرة مع الجنرال قاسم سليماني وكونه عضواً في مجلس الشورى والمجلس الجهادي ووثيقَ الصلةِ بإيران، إلى جانب حسْم زمان ومكان وشكل تشييع أمينه العام وسط علاماتِ استفهامٍ حول هل ستسمح اسرائيل بمشهدية مهيبة في وداعه الأخير أم ستكثّف أحزمةَ النار بما يحول دون تمكين الحزب من تنظيم مراسم شعبية، هي التي بدا أنها حاولت كتْم دوي الاغتيال بموجاتٍ متوالية من الغارات التي تبعتْه وتركّزت على الضاحية الجنوبية في موازاة الاجتياح الجوي المتمادي في الجنوب والبقاع.
وإذ بدا «صاروخ منطقة القدس» الذي أطلقه «حزب الله» ليل السبت وبلغ مداه نحو 150 كيلومتراً، وهو الأبعد منذ 8 تشرين الأول، إشارة أوّلية إلى أنه يعدّ لمزيدٍ من التوغّل في العمق الاسرائيلي، ما يشي بإصرار على عدم التراجع رغم تعمُّد اسرائيل إغراقه بضربات لمنع «التقاط الأنفاس»، وتالياً بأن المواجهة ما زالت مفتوحة على مزيد من التطاحن.وتركّزت الأنظار أمس في مقلب «حزب الله» على مجموعة تطورات أبرزها:
– ما نقلتْه «رويترز» عن أن جثّة نصر الله انتُشلت من الموقع الذي استهدفتْه اسرائيل سليمة ولم تظهر عليها آثار جروح، مع ترجيح أن سبب الوفاة هو شدة الانفجار، قبل أن تنقل القناة 12 الإسرائيلية عن مصدر في الاستخبارات العسكرية «ان نصرالله مات اختناقاً وأنه تواجد في مكان دون تهوئة ودخلتْ غازات القصف لغرفته واختنق».
– مضيّ اسرائيل في ضرب سلسلة القيادة في الصفين الأول والثاني.
وفيما تأكّد أمس اغتيالها عضو المجلس المركزي في حزب الله ومسؤول وحدة الأمن الوقائي نبيل قاووق، في الضربة التي استهدفته يوم السبت في الضاحية الجنوبية، حاولت استهداف آخر العنقود في سلسلة القيادة العسكرية، وفق منشور كانت عمّمته، وهو أبوعلي رضا «قائد وحدة بدر» (أحد أبرز التشكيلات العسكرية في الحزب) بغارة ايضاً على الضاحية.
وذكرت تقارير اسرائيلية أن رضا يُلقب بـ «الحاج أبو حسين»، ويتولي قيادة وحدة «الرضوان» النخبوية، خلَفاً لإبراهيم عقيل الذي اغتالته إسرائيل يوم 20 سبتمبر الحالي.
وبحسب التقارير لا يُعرف عنه الكثير، ويبلغ من العمر 60 عاماً، ونجا في تسعينيات القرن الماضي من محاولة اغتيال مع عقيل، ويُصنف ضمن الجيل الثالث من قيادات الحزب، وتلقى تدريبات عسكرية متقدمة في إيران. وهو قليل الخروج للعلن، وعندما يظهر يكون متستراً أو مغطى الوجه ليشرح مهمات أو أهدافاً أو معلومات عسكرية تخص الحزب. – نعي الحزب قائده علي كركي الذي سقط مع نصرالله و«كوكبة من إخوانه المجاهدين في الغارة الصهيونية الإجرامية على حارة حريك»، كاشفاً أنه «كان مسؤولاً بشكل مباشر وميداني عن قيادة جبهة الجنوب بكافة محاورها ووحداتها في جبهة الاسناد منذ الثامن من أكتوبر».
وفي مقلب إيران التي أعلنت الحداد الرسمي 5 أيام على نصرالله، لم يكن ممكناً الجزم بما إذا كانت ستخرج عن ضوابط المواجهة المنضبطة مع اسرائيل تفادياً لصِدام غير متكافىء مع الولايات المتحدة التي أعطت طهران إشاراتٍ إلى انها تريد فتْح صفحة جديدة معها من ضمن سياسة «المرونة الاستراتيجية» وصولاً لرفْع العقوبات وترييح الوضع الداخلي.وفي حين نقلتْ صحيفة «نيويورك تايمز» عن مصادر في الحرس الثوري «ان الأولوية الفورية لإيران هي مساعدة حزب الله على استعادة عافيته، وتسمية خليفة للسيد نصرالله، و تشكيل هيكل قيادي جديد وإعادة بناء شبكة اتصالات آمنة في حزب الله وبعد ذلك يستطيع الحزب أن يخطط لرده على إسرائيل»، برز ما أعلنته لجنة الأمن القومي الإيراني من «اننا سنرد في الوقت المناسب ووفقاً للظروف»، ما اعتُبر مؤشراً إلى أن طهران يصعب أن تخرج عن دائرة التراجع التكتيكي.
وفي هذا السياق، لم يكن عابراً ما أعلنته البنتاغون في بيان لها، من إن واشنطن ستعزّز «قدرات الدفاع الجوي» في الشرق الأوسط في الأيام المقبلة «وهي قادرة على نشر القوات في غضون مهلة قصيرة»، وأن وزير الدفاع لويد أوستن، وضع المزيد من القوات على درجة عالية من الاستعداد للانتشار وأكد أن الولايات المتحدة عازمة على منع إيران والشركاء والوكلاء المدعومين منها من استغلال الموقف أو توسيع الصراع «وإذا استخدمت إيران أو شركاؤها أو وكلاؤها هذه اللحظة لاستهداف أفراد أو مصالح أميركية في المنطقة، فإن الولايات المتحدة ستتخذ كل التدابير اللازمة».
وفي السياق نفسه، أعلن الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، أن واشنطن تسمع تصريحات تخرج من طهران وتنتظر لترى ماذا ستفعل.وأضاف: «نواصل الحديث إلى الإسرائيليين في شأن الخطوة الصحيحة التالية في لبنان، والولايات المتحدة تنتظر لترى مساعي حزب الله لشغل فراغ القيادة».كما أشار الى إن «حربا شاملة مع حزب الله أو إيران ليست السبيل لإعادة السكان إلى ديارهم في شمال إسرائيل بأمان، ودعم أميركا لأمن إسرائيل صلب وهذا لن يتغيّر».
أما اسرائيل فأعطت إشاراتٍ إلى أنها ليست في وارد «إنزال القدم عن دواسة البنزين»، هي التي لم لم تتوانَ أمس عن توجيه رسالة بأنها قادرة على ضرب إيران في العمق من خلال استهداف الحوثيين في الحديدة.
وهذه الاندفاعة المجنونة، ارتسمت أمس وليل السبت – الأحد بتكثيف الغارات جنوباً وبقاعاً وفي الضاحية الجنوبية وقد بلغت نحو 220 غارة في 24 ساعة، ترافقت مع إنذارات لإخلاء هذه المناطق ومغادرة السكان الذين يقطنون قرب مراكز أو أماكن فيها أسلحة لـ «حزب الله».
وفي موازاة مجازر ارتكبتْها اسرائيل في البقاع وبينها في بلدتيْ العين وزبود، حيث سقط ما لا يقلّ عن 30 شهيداً ومجزرة في عين الدلب شرق صيدا حيث استشهد فيها 32 شخصاً إضافة إلى أكثر من 50 جريحاً، ومجزرة في بعلبك – الهرمل، أدت «في حصيلة أولية إلى استشهاد 21 شخصاً وإصابة 47 آخرين بجروح»، وسط إعلان وزارة الصحة اللبنانية «استشهاد 14 من كوادرنا الطبية في يومين»، وغداة استهداف مستودع قريب لمطار بيروت، برز ما نقلتْه شبكة «سي إن إن» عن مسؤولين أميركيين من أن واشنطن تعتقد أن إسرائيل تستعد «لاجتياح بري محدود» لأراضي لبنان، لكنها لم تتخذ القرار بعد في شأن إطلاق العملية.
وأشار المسؤولون إلى أن هذا التقييم مبني على البيانات حول تعبئة القوات الإسرائيلية وتطهير المناطق في ما قد يكون تحضيراً لشن العملية البرية.يأتي ذلك فيما قال مسؤول أميركي لشبكة «إيه بي سي» إن إسرائيل على وشك تنفيذ عمليات «صغيرة النطاق» داخل لبنان، مشيراً إلى أن «إسرائيل تريد تدمير مواقع لحزب الله على الحدود».
وعلى وقع هذه التطورات الدراماتيكية، يُجري وزير خارجيّة فرنسا جان نويل باروت محادثات اليوم في بيروت مع كبار المسؤولين، في الوقت الذي أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، أن «لبنان متمسك بالحلّ الدبلوماسي للوصول إلى وقف لإطلاق النار وبتطبيق القرار 1701، والجيش حاضر لتنفيذه القرار والأساس هو دعمه». وأضاف: «نداؤنا هو لوقف إطلاق النار على كل الجبهات فيحلّ الأمن والاستقرار في المنطقة. في غزة توقفت العمليات العسكرية تقريباً، ونحن اليوم اهتمامنا منصبّ على وقف إطلاق النار في لبنان».
وأهابت قيادة الجيش اللبناني «بالمواطنين إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية وعدم الانجرار وراء أفعال قد تمسّ بالسلم الأهلي في هذه المرحلة الخطيرة والدقيقة من تاريخ وطننا؛ حيث يعمل العدو الإسرائيلي على تنفيذ مخططاته التخريبية وبث الانقسام بين اللبنانيين».
وجاء بيان قيادة الجيش – مديرية التوجيه على خلفية «إمعان العدو الإسرائيلي في اعتداءاته الإجرامية التي أسفرت عن استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وأكثر من ألف شهيد، فضلاً عن آلاف الجرحى خلال الأيام الماضية».
وأكد البيان أن «قيادة الجيش تستمر في اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة والقيام بواجبها الوطني للحفاظ على السلم الأهلي، وتدعو المواطنين للتجاوب مع هذه التدابير، والعمل بمقتضى الوحدة الوطنية التي تبقى الضمانة الوحيدة للبنان».
أعلنت السلطات الأوروبية أنها أوصت شركات الطيران بتجنب المجال الجوي اللبناني والإسرائيلي بسبب «تكثيف الضربات الجوية وتدهور الوضع الأمني».
وأصدرت المفوضية الأوروبية والوكالة الأوروبية لسلامة الطيران بياناً «يوصي بعدم القيام بأنشطة داخل المجال الجوي للبنان وإسرائيل على جميع مستويات الطيران»، وذلك «حتى 31 تشرين الأوّل» في المرحلة الراهنة.
وأكد البيان أن الوكالة «ستواصل مراقبة الوضع عن كثب، بهدف تقييم إذا كان هناك زيادة أو انخفاض في المخاطر التي تواجه مشغلي الطائرات في الاتحاد الأوروبي نتيجة لتطور التهديد».