لعلّ اللبنانيين الذين لم ينزحوا يعانون صعوبة من نوع آخر، بعدما أقفلت المدارس أبوابها. يرتفع صوت الأهالي ضد الحرب وضد إدارات المدارس في مناطق تعتبر آمنة نسبياً.
تقول جويل: “أين أضع أولادي يومياً فيما أنا مضطرة للذهاب الى العمل!”.
وتتحدث ميرا عن صعوبة التعلّم عن بعد لصغار السن، أي في مرحلة الحضانة، إذ يحتاجون إلى مدرّس في المنزل يرافقهم، فهم لا يلمّون ببرامج التعلم عن بعد، ولا يمكنهم بالتالي متابعة دروسهم من دون ذويهم، فـ”ماذا نفعل إذا كنا نعمل ولدينا دوام عمل؟ حتى الذين لديهم مساعدة في المنزل يجدون صعوبة، إذ يمكن للأخيرة تدبير أمور الأكل والشرب واللعب، وليس الدراسة”.
وتؤكد تقلا أنها تفضل التعليم عن بعد بدلاً من أن ترسل أولادها على الطرق في هذه الظروف الأمنية الصعبة. لكنها تشدد على أن الحل الأمثل بتوقف الحرب، فيعود كل إلى منزله، ويتابع التلامذة دراستهم بشكل طبيعي. وتسأل عن الجدوى من استمرار الحرب التي لا تحصد سوى الموت والدمار.
وتعتبر رنا زعرور، أم لـ4 أولاد نازحة وعائلتها الى مدرسة عرمون الرسمية من مدينة النبطية أنه من المستحيل تأمين الوسائل التي تخول أولادها متابعة الدراسة عن بعد، وتضيف: “الدراسة عن بعد فاشلة لنا وللأساتذة وهذا ما اكتشفناه في فترة كورونا، هنا في مراكز الإيواء نفكر كيف نؤمن فرشة وطعام، لدينا 3 هواتف لكن نعاني من مشكلة كهرباء وعدم توافر الانترنت”.
وأعلن اليوم وزير التربية عباس الحلبي في ما يتعلق بموعد بدء العام الدراسي بعد التطورات الأمنية والعسكرية الراهنة وإشغال نحو 400 مدرسة رسمية بالنازحين وعشرات المدارس الخاصة وعدد من مباني الجامعة اللبنانية، تعليق الدروس إلى الإثنين في 7 تشرين الأول، على أن تبقى الاجتماعات والتواصل مفتوحة وأن يتم تقييم الوضع ليبنى على أساسه قرار جديد.
المدارس الكاثوليكية: مزيد من التشاور
يقول الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر لـ”النهار”: “أعددنا العدة للتعليم عن بعد بالتشاور مع إدارات المدارس لئلا نفوّت على التلامذة بداية العام الدراسي، مع إعطاء الحرية الكاملة لمدارس الأطراف وتلك المعرّضة للخطر لاتخاذ القرار المناسب، وفق ما تراه الإدارة مراعاة لمصلحة الأهالي والتلامذة. وقد نقلنا وجهة نظرنا الى وزير التربية وعرضنا له الأسباب التي دفعتنا الى اتخاذ القرار، وتمنى علينا تمديد العطلة أسبوعاً إضافياً لانقشاع الرؤية ولإظهار التضامن الوطني، واتفقنا على مزيد من التشاور، وسنبقي باب التواصل مفتوحاً إلى الأحد، علماً أننا في قلب التضامن الوطني، فالنازحون من كل الطوائف والمناطق، وتلامذتنا كذلك، ومدارسنا تتوزع على امتداد الجغرافيا اللبنانية”.
ويضيف نصر: “أعددنا العدة للدراسة عن بعد، ونحضر البنية التحتية للمعلمين والمعلمات، حيث هناك نقص، للمباشرة، ولو بعد أسبوع، فلا نضيّع الدراسة على التلامذة، لأنها تبقى حقاً”.
المدرسة للتعلم أو للنزوح؟
في تقرير للجنة الطوارئ الحكومية أن عدد النازحين بلغ 77100، يقيم نحو 20000 منهم في مراكز إيواء، أكثرها مدارس. وقد تحولت صفوف هذه الأخيرة من التعلم الى الإقامة والطبخ واللعب. هي تعلّم على نوع جديد من الحياة، حياة المخيمات، حيث لا وجود لأسرّة ومقاعد وتلفزيون وإنترنت، وغيرها.
مدارس رسمية بمعظمها، صارت مقراً للنازحين، ولم تعد ممكنة إعادة فتح أبوابها أمام التلامذة، وإن كانت في مناطق آمنة نسبياً.
تلامذة تلك المدارس نزحوا إلى منازلهم، وتلامذة آخرون مع ذويهم نزحوا ليحلوا محلهم، يلهون، ويمرحون بقدر ما تسمح الظروف باللهو والمرح.