خلافاً لكل ما قيل ويُقال، تبيّن أن “حزب الله” اكتشف متأخراً وفي ربع الساعة الأخير، الاختراق الإسرائيلي لأجهزة التواصل التي كان يستعملها في مؤسساته وبين شرائح واسعة من جسمه التنظيمي السياسي والعسكري، وهي “البايجر” والـ”ووكي توكي”.
وقال مصدر مطلع على أوضاع الحزب لـ”ليبانون ديبايت” إنه اكتشف متأخراً أن إسرائيل تمكنت من هذا الاختراق قبل سنوات وليس في الآونة أو الأشهر الأخيرة، لكنها كانت تديره بهدوء إلى أن يحين الوقت المناسب لتفجير هذه الأجهزة، ضمن الخطة التي تعمل عليها منذ عشرات السنين، وتحديداً منذ حرب تموز 2006، وتهدف للقضاء عليه لأنه، برأيها، يشكّل بعد إيران، رأس حربة “محور المقاومة” ضدها في المنطقة.
وفي الوقت الذي لم تكن فيه إسرائيل قد حددت ساعة الصفر للبدء بتنفيذ خطتها لأنها لم تؤمّن بعد القرار الأميركي والدعم الدولي المطلوبين لها للانقضاض على الحزب والقضاء عليه، إذ بالحزب يكتشف الأمر، فما كان منها إلا أن سارعت إلى تفجير تلك الأجهزة من دون أن تراعي أي حرمة أو قانون دولي أو أي عامل إنساني. فكانت النتيجة سقوط 40 شهيد ونحو 4000 جريح، منهم 400 بحالة حرجة أو صعبة.
وما دلّ على عدم جهوزية هذه الخطة الإسرائيلية، أن تل أبيب لم تستتبعها بهجوم فوري على “حزب الله”. فالخطة، لو قُدّر لها أن تُنفذ، كانت تقوم على تفجير هذه الأجهزة بدايةً لتوقع الحزب في إرباك كبير جداً يمنعه من مواجهة الهجوم الإسرائيلي، حيث أنه كان سينشغل في تأمين العلاج لنحو أربعة آلاف جريح، غالبيتهم بُترت أيديهم وأصيبوا في وجوههم وبعضهم فقد البصر. وهذا ما حصل بالفعل يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، حيث أن مستشفيات لبنان من أقصاه إلى أقصاه كادت أن لا تتسع لهؤلاء الجرحى.
وقد دلّت إلى تلك الخطة حماسة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، بعد نحو أسبوعين من عملية “طوفان الأقصى”، لشنّ حرب واسعة النطاق على الحزب، لوقف إسناده لحركة “حماس” عبر إشغال إسرائيل في مواجهات عسكرية في الشمال قبل الهجوم على “حماس” في قطاع غزة للقضاء عليها. ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خالفه الرأي يومها، وهذا ما شكّل بداية الخلاف بينهما منذ ذلك الحين وحتى الآن. فالجيش الإسرائيلي لم يتمكن من الانتصار على الحركة منذ سنة تقريباً، حيث ستحل الذكرى الأولى لطوفان الأقصى في 7 تشرين الأول المقبل، وها هو في مواجهة مع “حزب الله” في الشمال ولم يتمكن من القضاء عليه.
ويقول مصدر معني لـ”ليبانون ديبايت” إن إسرائيل عندما علمت أن “حزب الله” اكتشف اختراقها لأجهزة “البايجر” و”الووكي توكي”، لم يكن أمامها خيار إلا تفجيرها، حيث أن الحزب كان قد عمّم على حاملي هذه الأجهزة في جسمه المدني والعسكري، وجوب إطفائها والتوقف عن استخدامها واستعمال هاتف “أبو لمبة” العادي بدلاً منها، حيث يشيع في أوساط الحزب وغيرها، أن هذا الهاتف الخلوي “الغبي” الذي ليس فيه أي تطبيق من تطبيقات الهواتف الذكية، يصعب التنصت عليه أو اختراقه. ولكن شاءت المصادفات أن التبليغ لم يكن قد بلغ مداه بعد في الجسم الحزبي عندما تمّ التفجير، بحيث أن جميع المعنيين لم يكن قد وصلهم التبليغ. ولذلك كان هذا العدد الكبير من الجرحى، فيما هناك آلاف من هذه الأجهزة لم تنفجر لأنه تمّ إطفاؤها عندما تبلّغ أصحابها مضمون التعميم، والبعض الآخر لم يكن قد وُضع في الخدمة بعد، وخصوصاً الطراز الجديد الذي تمّ استخدامه قبل خمسة أشهر فقط، لأن بعض الحزبين تسلموا الجهاز قبل شهرين.
ما يؤشر إلى اكتشاف “الحزب” لهذا الاختراق أيضاً، هو إقدام إسرائيل على تفجير هذه الأجهزة من دون أن تستتبع ذلك بهجوم كاسح عليه. بل إنها ذهبت في اليوم التالي إلى استئناف الاغتيالات التي تطال قيادات الصفين الأول والثاني في المقاومة، وكان منها اغتيال القائد العسكري الجديد للحزب إبراهيم عقيل الذي تولّى القيادة خلفاً لفؤاد شكر، الذي اغتالته إسرائيل بالطريقة نفسها في الضاحية الجنوبية قبل أسابيع. ولكن مع فارق أن عقيل اغتيل بقصف جوي مع مجموعة من القادة العسكريين الكبار في “قوة الرضوان” وغيرها من قوى المقاومة، خلال اجتماع لهم في إحدى الطبقات السفلية لمبنى في حي “مجمع القائم”، فيما اغتيل شكر بقصف جوي مماثل ولكن في منزله.