كتب جورج شاهين في الجمهورية
في انتظار معرفة النتائج المترتبة على عملية تفجير شبكة “البايجيرز” وما يمكن ان تعكسه على المفاوضات الجارية على جبهتي غزة وجنوب لبنان وتقدير الرد الذي سيقوم به حزب الله. لا يمكن للمراقبين ان يتجاوزوا ما انتهت اليه زيارة الموفد الرئاسي الاميركي عاموس هوكشتاين لتل أبيب بعدما سبقتها وواكبتها وتلتها التهديدات الإسرائيلية تجاه لبنان الى درجة عززت الاعتقاد بأنها لم تكن ضرورية. وخصوصا ان ثبت انه لم يغير شيئا في ما رسمته الإدارة العميقة. وهذه بعض المعطيات والمؤشرات الدالة.
مما لا شك فيه ان العملية التي استهدفت شبكة “البايجزر” الخاصة بـ “حزب الله” والمجزرة التي تسببت بها في بيئته على مساحة لبنان وفي مناطق سورية بكل المعايير العسكرية والامنية بعد التقنية وصولا الى ما يمكن ان تؤدي اليه الحروب السيبرانية والالكترونية . وخصوصا انها اتخذت اشكالا جديدة غير مألوفة، بالنظر الى ما تسببت به من “قتل جماعي” استهدف آلاف مستخدمي هذه الاجهزة.
والأخطر عند التعمق في مجريات العملية والآلية التي استخدمت لتنفيذها، أنها كانت سريعة لوقوعها في دقائق. بطريقة لم تسمح لأي مصاب في الدقائق الاولى منها ان ينذر رفيقا له. ولذلك، تحولت عملية قابلة للتفسير في أكثر من اتجاه. ذلك ان حروبا شهدت في اولى مراحلها ضرب البنية التحتية العسكرية، ولا سيما المتصلة بشبكات الإتصال الضرورية لإدارة المعارك والتواصل بين القيادة والقوى المنتشرة على الأرض ما يفقدها القدرة على التحرك بفاعلية عدا عن المس بمعنويات المقاتلين.
وبمعزل عن هذه القراءة البدائية، وربما السطحية لما حصل، والى ان تتضح الحقائق المحيطة بها، ومعها الظروف التي مهدت للعملية وما رافقها والنتائج التي ستترتب عليها، فإنه من الواجب انتظار نتائج التحقيقات الجارية، لا بد من الربط ولو زمنيا بين ما جرى وما رافق زيارة الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين إلى تل أبيب حاملا اقتراحات اميركية بديلة من تلك التي كانت للرئيس جو بايدن والتي رفضها تل أبيب منذ صدور قرار مجلس الامن الدولي في 10 حزيران الماضي.
وقياسا على ما يمكن اعتباره تطابقا بين ما أراده هوكشتاين وما انتهت إليه جهوده، يتبين أنه لم يلق اذانا صاغية. وهو امر كشفه احد اصدقائه اللبنانيين كان على تواصل معه قبل ساعات قليلة على زيارته. فنقل عنه ما تطابق مع ما تسرب لاحقا عن لقاءآته والاسرائيليين بدقة وبالعبارات عينها التي تحدث عنها سلفا. وابرزها حاجته الى وقف للنار في غزة واجراء عملية التبادل بين الأسرى والمعتقلين قبل الحديث عن مصير اتفاق الحدود الجنوبية. وإن انتهى الى ما يشتهيه سيزور بيروت لزيارتها وفي حال العكس لن يضيع وقته.
وعن أوراق القوة التي حملها هوكشتاين نقل عنه انه كان متيقنا بأن اي اتفاق في غزة سينعكس وقف “الحرب الشاملة” التي تلحق الاذى باسرائيل ولبنان وقبلهما بالمصالح الحيوية الاميركية على حد سواء. وهو يسعى الى تسويق أي إنجاز لصالح كامالا هاريس في انتخاباتها الرئاسية. بالاضافة الى قناعته بان حربا شاملة لن تبقى محصورة بالقوى الإقليمية المنخرطة فيها وتستدرج إليها من لا يريدونها.
ولم يخفي المتحدث مخاوف هوكشتاين على الداخل اللبنانيبما يتعدى أي ضربة لـ “حزب الله”. فاي حرب شاملة تهدد بالاساءة الى الجيش اللبناني الذي قد لا يقف متفرجا ان استهدفته اسرائيل وهو أمر لا يتحمله البلد. واي مواجهة ستكون “كارثية” مع قائد “مجنون” من آل نتنياهو مدعوم دوليا حتى العمى، وهو اليوم في افضل اوضاعه اليوم ويمكنه تحقيق رغبته باستدراج ادارة بايدن الى حرب تأتي بدونالد ترامب الى البيت الابيض. ولذلك، وان لم ينجح في وقف الحرب من الأفضل ان تبقى ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها بهامش عنف مدوزن لا يقود الى “الحرب المرفوضة”.
وانتهى صديق هوكشتاين الى القول انه كان على ثقة بان لبنان الرسمي بات جاهزا لتغطية اي اتفاق يمكن التوصل إليه مع “حزب الله” بما يضمن الحد الأدنى من الأضرار. ذلك ان اي حرب ستقضي على ما تبقى من البنية التحتية. فالخوف لم يعد متأتياً من غزة وان لبنان بات المصدر الوحيد الذي يمكن أن يستمد منه نتنياهو رغبته في الحرب ومن يعترض على توجهاته قد يدفع الثمن. فمسلسل الاستقالات في حكومته لم يؤثر على مصدر قوته، وان استبدال بعض القادة العسكريين لن يغير في الخطط الموضوعة للحرب من جانب الادارة الاسرائيلية العميقة التي لم ولن تتغير وهي ستنفذ في النهاية.
وبناء لما تقدم يبدو واضحا ان ما نوى إليه هوكشتاين لم يغير في اصرار الاسرائيليين بالدفع في اتجاه عملية عسكرية ضد لبنان، وهو لن يزور لبنان لـ”البصم على الفشل”، وهو ما ادى الى طرح السؤال هل ان تفجير شبكة اتصالات الحزب تمهد لمثل هذه الضربة؟ ام أن اسرائيل تنتظر ردا من حزب الله لاستدراجه اليها؟