منذ ما بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة قرر رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل التمايز الحقيقي عن حليفه التاريخي “حزب الله” ويعلم باسيل بأن هذا القرار ستكون له تداعيات جدية عليه وعلى تياره، بعضها سلبي والآخر إيجابي، لكنه بالرغم من ذلك جنح بإتجاه خطاب جريء منتقد للحزب، ونجح إلى حدّ كبير في تكريس صورة الخلاف مع حارة حريك، اذ ذهب في بعض الملفات أبعد من خصوم الحزب التقليديين.
بات باسيل من دون تحالفات فعلية، غير انه، ومنذ البداية قرر أن يأخذ دور “بيضة القبان” في ظل توازن سلبي داخل المجلس النيابي وامتلاكه كتلة نيابية وازنة.
فتح باسيل بازار التفاوض مع “حزب الله” بشأن رئاسة الجمهورية، على قاعدة أن الحزب لا يستطيع ايصال مرشحه إلى قصر بعبدا من دون موافقة باسيل نظراً لعدم إمتلاكه لأي أكثرية نيابية، مطلقة او نسبية، وعليه يجب التفاهم مع كتلة باسيل وهذا ما سيؤدي الى ايصال رئيس جديد للجمهورية يرضى عنه باسيل والحزب معاً، لكن حارة حريك لم تكن في وارد التخلي عن فرنجية خصوصاً بعد طريقة الإبتزاز العلنية التي مارسها باسيل، وعليه فشل مشروع باسيل مع الحزب لينتقل إلى قوى المعارضة الذي تقاطع معها على اسم الوزير السابق جهاد ازعور، لكن كتلة باسيل لم تستطع حسم المعركة لصالح الرجل وعليه فإن خاصيّة “بيضة القبان” تعرضت للضربة الأولى لانها لم تتمكن من ترجيح كفة على أخرى.
لعبة باسيل لم تنته، اذ حاول تشكيل كتلة نيابية تضم “لبنان القوي” وكتلة الحزب “التقدمي الاشتراكي” وهذا ما لم يتجاوب معه النائب السابق وليد جنبلاط اذ لدى الرجل حسابات اخرى معقدة تفوق حسابات باسيل المحصورة بالإستحقاق الرئاسي، وهذا ما وضع باسيل في مكان صعب، خصوصاً أن الرجل لم يعد بإستطاعته العودة الى التحالف المتين السابق مع الحزب ولا اقناع المعارضة بالتحالف معه ضمن شروطه الرئاسية، وعليه يبحث باسيل عن حلول اخرى تمكنه من حصد المكاسب السياسية، علماً أن معظم الاطراف السياسية باتت اليوم لا تتواصل مع باسيل الا شكلياً ولا تدخل معه في اي بازار سياسي او انتخابي نظراً للتجارب السيئة معه.
الضربة القاضية التي تلقها باسيل كانت في تناقص عدد كتلته النيابية حيث انسحب منها، طرداً او استقالة، اربعة نواب وربما يرتفع العدد .لم تعد كتلة باسيل قادرة، مهما كانت التحالفات النيابية، على تغيير مسار اي استحقاق وتحديداً الإنتخابات الرئاسية، وعليه سيبحث باسيل عن إعادة تمتين علاقته مع حليقه السابق وهذا ما فشل به خلال الاسابيع الاخيرة ليعود الى التصعيد الإعلامي ضده، وهذا يعني حتماً ان باسيل يعود تدريجياً الى اللعبة السياسية التقليدية حيث يعمل على اعادة التموضع ضمن فريقي الإنقسام كي يكون له حصة ودور في اي تسوية سياسية مقبلة مع نهاية الحرب الحاصلة حاليا.
ازمة باسيل المتنوعة باتت تهديداً حقيقياً لتياره السياسي الذي يخسر كوادر اساسية وقدرات شعبية وعدد نواب بشكل متسارع، لا بل ان قدرته على عقد التحالفات باتت ضعيفة جداً، وهذا يعني أن الخسارة بالنسبة للرجل ستكون عبارة عن دائرة لا نهاية لها في ظل رفضه لاي عملية نقد فعلية وجذرية لادائه السياسي والحزبي.