ثمة محاولة تجريها اللجنة الخماسية العربية الدولية لتحريك الإستحقاق الرئاسي، علّه يُنجز قبل الإنتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني المقبل، إذا تبيّن أن بإمكان الأفرقاء المعنيين الإتفاق على انتخاب رئيس في هذه العجالة تحت وطأة الخوف من أن يطول الفراغ الرئاسي إلى الربيع المقبل بعدما يكون الرئيس الأميركي الجديد قد شكّل إدارته لتباشر مهامها في الولايات المتحدة الأميركية وحول العالم. فالمتعارف عليه أميركياً وعالمياً أن تشكيل الإدارات الأميركية بعد انتخاب كل رئيس يتأخر أشهراً (في 20 كانون الثاني يدخل الرئيس المنتخب البيت الأبيض، وغالباً ما يتأخر تشكيل إدارته حتى الربيع).
وفي إطار هذا التحرك الخماسي يزور الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الرياض، ويجتمع مع المسؤول عن الملف اللبناني في الديوان الملكي السعودي الدكتور نزار العلولا، الذي وافاه السفير السعودي في لبنان وليد البخاري إلى هناك، ولم يُعرف ما إذا كان السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو قد وافى لودريان إلى هناك أيضاً أم لا.
وكان اللافت قبيل وصول لودريان إلى الرياض، زيارة السفير البخاري لرئيس مجلس النواب نبيه بري ليغادر بعد قليل من هذا اللقاء إلى الرياض، والمرجّح أن بري حمّله من ضمن ما حمّله مضمون مبادرته الحوارية الرئاسية التي أطلقها بعيد اللقاء بينهما في إطار الكلمة التي وجهها إلى اللبنانيين لمناسبة الذكرى السادسة والأربعين لتغييب الإمام موسى الصدر.
وعلم “ليبانون ديبايت” أن الرئيس بري أكد للبخاري أن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع هو المسؤول عن تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية الجديد نتيجة ما يتخذه من مواقف تقفل الأبواب أمام التوافق المطلوب.
وتمنى بري على البخاري أن يبلّغ جعجع هذا الموقف لكي يتحمل مسؤوليته ويتوقف عن توجيه الاتهامات يميناً وشمالاً، على الرغم من معرفته بأنها لن تؤدي إلاّ إلى المزيد من التعطيل وإطالة أمد الفراغ الرئاسي.
كذلك قال بري للبخاري أن جعجع يعارض ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ويقول “إني أريد من الحوار الذي أدعو إليه فرض ترشيح فرنجية على الآخرين، فهذا الأمر ليس صحيحاً، فليأت جعجع إلى طاولة الحوار، ويطرح مرشحه ونحن نطرح مرشحنا ويطرح الآخرون مرشحيهم، ومن يقنع الآخرين بمرشحه يذهب الجميع إلى انتخابه فورا”.
وإلى ذلك يقول قطب سياسي بارز إنه لا يتوقع نجاح الحراك الخماسي، لأن كل المؤشرات تدل إلى أن إنجاز الإستحقاق الرئاسي بات في حكم المؤجل إلى ما بعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية. ويشير القطب إلى أن هذا الحراك لم ينطلق من تلقائه، بل بناءً على قراءة لفريق المعارضة اللبنانية أظهرت له أن المرحلة الداخلية والإقليمية والدولية تتيح فرصةً تصبّ في مصلحته، ويمكن أن تمكّنه من الدفع باتجاه ضمان انتخاب رئيس من كنفه، لأن لا أحد يضمن إمكان انتخاب رئيس من هذا النوع، خصوصاً إذا تغير المشهد بعد الإنتخابات الأميركية.
وأشار القطب السياسي إلى أن فريق المعارضة لا ينطلق في توجهه الرئاسي المستجد خوفاً من تأخير انتخاب الرئيس إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية، وإنما من اقتناع لديه بإمكان حصول ضغوط خارجية لمصلحته، وتفرض على الجميع انتخاب المرشح الذي ترضى به. لكن هذا المرشح ما زال مجهولاً، فآخر مرشح كان الوزير السابق جهاد أزعور الذي تقاطعت المعارضة و”التيار الوطني الحر” على ترشيحه في آخر جلسة انتخابية انعقدت أواسط حزيران 2023، لكن مرشح المعارضة الحالي غير معروف فهي لم تعلن أنها ما تزال تتمسك بأزعور، وإن كان بعض سياسييها يرددون اسمه من حين إلى آخر في إطار سرديات واستطرادات، ولكن بعض الأصوات المعارضة صدحت أخيراً بأن لديها اسماً أو أسماء جديدة لمرشحين يمكن طرحها في الوقت الملائم.
إلاّ أن القطب السياسي يؤكد أن كل هذا الضجيج لن يؤدي إلى انتخاب رئيس في هذه المرحلة، لأن “الثنائي الشيعي” وحلفاءه يتمسكون بمرشحهم فرنجية حتى الآن، ولا يمكنهم أن يؤمنوا النصاب لأي جلسة لانتخاب رئيس غير متوافق عليه بين كل المكونات السياسية والنيابة، ويعتبرون أن تعطيل النصاب حق دستوري للنائب بحيث يحق له أن يقاطع أي جلسة قبل انعقادها، أو ينسحب من أي جلسة منعقدة إذا كان يرى أنها قد تؤدي إلى فوز مرشح لا يؤيده، كما أنه في هذه الحال، وفي ظل الحق الدستوري لا يمكن لأحد أن يتهم أحداً بتعطيل هذه العملية الدستورية.
ولذلك يؤكد القطب أن إنجاز الإستحقاق الرئاسي باتت في حكم المؤجل إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية، وربما امتد الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية حتى ربيع 2025 بحيث أن الرئيس الأميركي المقبل، سواء كان المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس او المرشح الجمهوري دونالد ترامب، لن يكون بإمكانه تشكيل إدارته ومباشرة مهماتها عملياً قبل ذلك الربيع.