كتب منير الربيع في “الجريدة” الكويتية:
إذا كان التوقيف جدياً، ولم يُطلق سراحه لاحقاً، فإنه يُمكن اعتبار توقيف حاكم مصرف السابق لبنان، رياض سلامة، أكبر حدث سياسي أو زلزال بدوافع مالية وسياسية منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005.
وعظة الحدث أن سلامة هو كاتم الأسرار المالية والسياسية على مدى عقود في لبنان، وهو أحد أكثر المسؤولين الذين وجُهت إليهم اتهامات داخلية ودولية، لكنه بقي حراً طليقاً وهناك مظلة استمرت بحمايته. وإذا كان توقيفه جدياً، فلا بُد للتحقيق معه أن يكشف الكثير من الأسرار التي تختزنها صناديقه السوداء.
وفي التفاصيل، استدرج سلامة إلى التحقيق معه، وذهب إلى قصر العدل في بيروت وكأنه يستند على ضمانة بعدم التوقيف، فجاء القرار مخالفاً، إذ أصدر مدّعي عام التمييز، القاضي جمال الحجّار، قراراً بتوقيفه في قضية «أوبتيموم» على ذمة التحقيق، بشبهة اختلاس أموال المصرف المركزي. ويواجه سلامة اتهامات بارتكاب جرائم مالية تشمل غسل الأموال والاختلاس والإثراء غير المشروع، وهي اتهامات ينفيها جميعاً. مع العلم بأنه مدّعى عليه في ملفات اختلاس الأموال وتبييضها، وقد صدرت بحقه مذكرة بحث وتحرٍّ تم بموجبها أيضاً منعه من السفر.
ويعود ملف «أوبتيموم» إلى فترة ما بين 2015 و2018، حين باع مصرف لبنان شركة «أوبتيموم» سندات دَين عام، ثم قام بشرائها في اللحظة نفسها بأسعار أعلى. وقد نتجت عن هذه العمليات أرباح بقيمة 8 مليارات دولار، ولم تتضح هوية المستفيدين منها بعد.
وتعليقاً قال رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، إن توقيف سلامة قرار قضائي ولن نتدخل فيه. كذلك صرّح وزير العدل هنري خوري بأن «القضاء قال كلمته، ولا بد من احترام قراره». ولا يمكن لهكذا قرار أن يمرّ في لبنان من دون وجود قرار سياسي كبير له خلفيات كثيرة، ما يعني أن من كان يوفّر له الحماية هو الذي وافق على نزع الغطاء عنه والموافقة على تسليمه، مثل هذه الأمور تحصل في لبنان على قاعدة أن يخرج الجميع رابحين. ولكن مما لا شك فيه – وفق ما تقول مصادر سياسية – أن هناك ضغطاً كبيراً يعيشه المجتمع اللبناني منذ سنوات، خصوصاً منذ الانهيار المالي الكبير وخسارة الناس والمودعين لودائعهم في المصارف وعدم القدرة على استردادها، إضافة إلى ضغوط كثيرة سياسياً، واقتصادياً، ومالياً، واجتماعياً، إضافة إلى تطورات الوضع العسكري في الجنوب، مما يعني أنه لا بد من خلق «متنفس» للبنانيين لتخفيف حدة الضغط والاحتقان، وهو ما سيعتبره اللبنانيون إنجازاً أو «فشّة خلق» تتمثل بتوقيف سلامة. قيل سابقاً إن ظروف وأسباب حماية سلامة المتوافرة، ترتبط بما يمتلكه من أسرار عن قوى سياسية وشخصيات كثيرة داخل لبنان وخارجه، وهناك تقاطع فيما بين هؤلاء على حمايته. وقيل أيضا إن الرجل يمتلك تسجيلات تحميه، لا أحد يعلم إذا كانت قد تبددت حالياً، ولكن وفق ما يقول مصدر متابع أن هذا الظرف هو الأكثر ملاءمة للانتهاء من عبء سلامة، باعتباره يحمل سيفاً مصلتاً على رقاب الجميع، في غمرة توترات سياسية وعسكرية يُقدم الرجل على مذبح «افتداء» الآخرين، مع ضمانات بوقف الأمور عند هذا الحد.