كتب محمد المدني في ليبانون ديبايت
من الأزمات الحقيقية التي تواجه الحركة السياسية في لبنان وعدم تمكّن القوى من إنجاز أي من الإستحقاقات الدستورية، هي أن رئيسي أكبر حزبين مسيحيين أصبحا يعيشان في “عزلة” سياسية غير مسبوقة. وهنا نتحدث عن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.
مؤتمر قداس الشهداء الذي عقده حزب “القوات اللبنانية”، أكد ما لا يمكن إنكاره أن جعجع “القوي” مسيحياً ضعيف “إسلامياً”، وهذا ما ترجمه الغياب الشيعي والسنّي اللافت عن القداس الذي أقيم في معراب. فجعجع الذي يصرّ على مخاصمة “الثنائي الشيعي” نراه يعاني في العلاقة مع السنّة، فحتى أبرز حلفائه من الطائفة السنية لم يحضروا القداس، وفي مقدمهم النائبان فؤاد مخزومي ووضاح الصادق.
ويعود سبب التباعد بين “القوات” والسنّة إلى أن خطاب حزب “القوات اللبنانية” لا يتلاءم مع غالبية النواب السنّة الذين لا يريدون الذهاب نحو قطيعة سياسية مع “حزب الله”، والذين لا يريدون الإلتفاف حول الخطاب “القواتي” التصعيدي، خصوصاً في ظروف الحرب القائمة في فلسطين ولبنان.
أمّا جبران باسيل، فهو الآخر يعيش عزلةً سياسية من نوع آخر، فهو غير قادر على نسج علاقات جيدة مع غالبية النواب السنة الذين يحمّلونه مسؤولية كبيرة باستهداف الطائفة السنّية وإقصائها سياسياً خلال عهد عمّه الرئاسي، والذين يرون أنه سيعود إلى حضن الحزب فور تخّلي “الثنائي الشيعي” عن مرشحه سليمان فرنجية، وتبنّي ترشيح شخصية أخرى تتناسب مع مصالح باسيل السلطوية.
في المقابل، أدرك “الثنائي الشيعي”، وخصوصاً “حزب الله”، أن باسيل يريد ثمناً لإحياء تفاهم مار مخايل، وأنه يبتزهم سياسياً ليحصل على ما يريده، وإلاّ تحوّل فجأة إلى خصم كبير لهم. لكن إعادة تنظيم العلاقة مع “الشيعة” ستكون مهمة صعبة على باسيل، بعدما انكسرت الثقة به وازدادت الريبة في نواياه وتقلّباته في العلاقات معهم، ما دفعهم إلى اللجوء إلى تطوير علاقاتهم مع أطراف أخرى، أبرزها مع الدروز والسنّة مستفيدين من التقارب الموضوعي الناتج عن حرب غزة ودعم “حزب الله” الكبير للفلسطينيين.
أمّا على المستوى المسيحي، فينوي الحزب بناء شراكة مع رئيس الجمهورية المقبل، الذي لن يكون بالتأكيد باسيل أو أي شخص آخر تحت تأثيره.
لم يشهد المسيحيون في تاريخهم مثل هذا المستوى من الإحباط والشعور بالعجز كما يحدث في عهد الثنائي جعجع – باسيل، الذي لم يفشل في الحفاظ على اتفاق معراب والوحدة المسيحية فحسب، بل فشل أيضاً نتيجة أدائه السياسي، في الحفاظ على علاقات صحية ومتينة مع شركائهم المسلمين في البلاد، الأمر الذي وضعهم في “عزلة” حتمية تهدّد بإبقائهم على هامش التسويات الكبيرة التي تلوح في الأفق بعد انتهاء حرب غزة.