كتب جوزف بوهيا في موقع JNews Lebanon
في قلب الوجع وعمق الصمود، تتشابك الأقدار لتكتب حكاية وطن وقضاياه بدماء الشهداء، ودموع الأمهات، وقلوب الشباب المليئة بالإيمان الثابت الذي لا يتغير، ذلك الأمل الذي يدفعنا لنؤمن بأن المستقبل لنا. تلك الحكاية التي تتجاوز الزمان والمكان، حيث يجتمع حب الوطن مع إيماننا بأننا حرّاس لقيم وأرض مباركة في الشرق.
الشهادة ليست مجرد تضحية، بل هي تمثل مفهومًا أعمق للوجود والخلود. الشهيد، بتقديم حياته في سبيل الوطن، يرتفع من كونه فردًا زائلًا إلى رمز خالد في الذاكرة الجماعية. الشهادة تتجاوز الفردية ليصبح الشهيد جزءًا من نسيج أمة بأكملها. الشهادة هي نداء للحفاظ على القيم، وعدٌ بأن الأرض التي سقيت بالدماء ستظل حيّة وأن المبادئ التي قُدّمَت في سبيلها الأرواح ستبقى حية في وجدان الأمة.
أُم الشهيد تُجسّد معنى الصبر والصمود. هي التي تتجاوز ألم الفقد لتتحول إلى رمز للأمل والحياة. دموعها ليست مجرد تعبير عن الحزن، بل هي مياه مقدسة تروي بذور المستقبل في أرض الوطن. أُم الشهيد هي صورة للتضحية المستمرة، حيث لا تتوقف عند فقدان ابنها، بل تواصل عطاءها للوطن بأكمله، جاعلةً من وجعها نورًا يهتدي به الآخرون.
شباب القضية يمثلون الاستمرارية وقوة التجديد. هؤلاء الشباب الذين يحملون راية الشهداء، يعيشون الإيمان كمبدأ فلسفي يوجه حياتهم ويمنحهم القوة لمواجهة التحديات. هم الذين ينظرون إلى السماء بأمل وإلى الأرض بإصرار، يؤمنون بأن تضحياتهم هي التي تعطي للحياة معناها وهدفها. في كل خطوة يخطونها، يتجسد فيهم صدى الشهداء، ليبقوا أحياءً في الأجيال القادمة.
أما أمهات الشباب، الحاضنات لهذا المستقبل المتجدد، يربين أجيالًا تعي أن الوطن ليس مجرد حدود أو علم، بل هو إيمان وقيم ومبادئ لا تنكسر. هن اللواتي يعرفن أن تضحيات اليوم هي ضمانة لغد مشرق، وأن ما يبذل من حب وتربية وصبر سيكون الأساس لنهضة وطنية جديدة، تكرس لبنان كرمز للصمود والإيمان في هذا الشرق.
في هذا السياق المتشابك، تصبح العلاقة بين القضية والوطن أشبه بعلاقة الروح بالجسد. لبنان، بأرضه المقدسة وتاريخه العريق، يقف شامخًا رغم التحديات. المقاومة اللبنانية، بصلابتها وإيمانها، تحمل على عاتقها مسؤولية الحفاظ على هذا الوطن وتمثّل الرمز الخالد لصمود أمّة تؤمن بحقها في الحياة والكرامة.
إيماننا المسيحي الصلب، هو الحارس الروحي لهذه الأرض. هو الذي يجعل من لبنان وطنًا ليس فقط للمسيحيين، بل لكل من يؤمن بقيم المحبة والسلام والعدالة. هو الذي يزرع في النفوس الثقة بأن هذه الأرض ستظل صامدة، لأنها مؤمنة بأن الوجود في الشرق ليس مجرد صدفة، بل هو قدر مقدس. المسيحيون في هذا الشرق، ليسوا مجرد سكان، بل حرّاس لرسالة إلهية، ورسالة إنسانية، بأن الأرض تستحق أن نحيا من أجلها، ونموت في سبيلها، إذا اقتضى الأمر.
لبناننا الحلم هو ذلك النور الخافت الذي يضيء دروبنا في أحلك الأوقات، هو ما يبقينا صامدين في وجه العواصف والأزمات. لكن الحفاظ على هذا النور يتطلب جهدًا مستمرًا، وعناية دؤوبة، وإرادة لا تلين. في عالم يزداد تعقيدًا واضطرابًا، يصبح الإيمان بقضيتنا ليس مجرد ملاذ، بل ركيزة أساسية لحياتنا ورمزًا للوطن الذي لا يموت، لأن “الغد لنا”.