“لبنان يعيش أسوأ أيامه”. هذا ما قاله أحد السياسيين المخضرمين، الذي يتابع بدقة ما يجري في الداخل والخارج. وهو يرى أن بعض الخارج صادق في حركته الديبلوماسية لتجنيب لبنان المغلوب على أمره آثار ردّات الفعل الحربية. ويُتوقع أن تكون كارثية على كل المستويات، خصوصًا أنه يعيش في هذه اللحظات على توقيت الساعتين الإسرائيلية والإيرانية، مع ما يمكن أن ينتج أيضًا عن ردّ “حزب الله” على اغتيال فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت من ردّ إسرائيلي آخر. وهكذا تصبح الساحة اللبنانية المعرّضة لشتى أنواع الاختبارات بمثابة كيس ملاكمة تنهال عليه الضربات من الجهات الأربع من دون أن تكون لديه القدرة حتى على الدفاع عن نفسه، وإن كان “حزب الله” يعلن منذ اليوم الأول لفتح جبهة المساندة الجنوبية أنه يدافع عن كل لبنان وعن كل لبناني، وهو قام في 8 تشرين الأول من العام الماضي بعملية استباقية قبل أن تبدأ إسرائيل حربها الثانية على لبنان بالتوازي مع حربها في غزة.
إلا أن ثمة أوساطًا سياسية مراقبة لا توافق على نظرية أن “لبنان يعيش أسوأ أيامه”، مستندة بذلك إلى الحركة الديبلوماسية الواسعة لتجنيب لبنان هذا “الأسوأ”. وهذا ما تقوم به بالفعل كل من الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية مصر العربية ودولة قطر لضمان ما يمكن أن يصدر عن الاجتماع المزمع عقده في 15 الجاري في الدوحة أو في القاهرة في محاولة، قد تكون ربما الأخيرة، لوقف اطلاق نار شامل ونهائي في قطاع غزة واطلاق سراح الرهائن والمعتقلين وفق المبادئ التي وضعها الرئيس الأميركي جو بايدن وأقرّها مجلس الأمن الدولي في قراره الرقم 2735، الذي لاحظ ثلاث مراحل لاقتراح بايدن وقف النار، وهي:
المرحلة الأولى: وقف فوري وكامل لإطلاق النار مع إطلاق سراح الرهائن من بينهم نساء وشيوخ وجرحى ورفات بعض الرهائن الذين قتلوا ويتم تبادل ذلك بأسرى فلسطينيين، وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من المناطق المأهولة بغزة وعودة المدنيين الفلسطينيين إلى منازلهم وأحيائهم في كافة مناطق البلاد في غزة، بما في ذلك في الشمال، فضلا عن التوزيع الآمن والفعال للمساعدات الإنسانية على نطاق واسع في جميع أنحاء قطاع غزة لجميع الفلسطينيين المدنيين الذين يحتاجون إليها، بما في ذلك الوحدات السكنية التي تقدمها المنظمات الدولية والمجتمع الدولي.
المرحلة الثانية: بناء على اتفاق الأطراف، يتم وقف دائم للأعمال العدائية، مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن الآخرين الذين ما زالوا في غزة، وبشكل كامل؛ وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من غزة.
المرحلة الثالثة: بدء خطة إعادة إعمار كبرى متعددة السنوات في غزة والمنطقة وإعادة رفات أي رهائن متوفين ما زالوا في غزة إلى عائلاتهم.
ولأن نجاح المساعي لوقف النار في غزة سينعكس حتمًا على الجبهة الجنوبية، وبالتالي على كل لبنان، وفق ما سبق أن كرّره أكثر من مرّة الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله لجهة التزامه بوقف عملياته العسكرية ضد المواقع الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن الحكومة اللبنانية، التي قدّرت هذه الخطوة، تعتزم تقديم مقترح جديد لاستكمال تنفيذ البنود الاخرى بطريقة ترضي جميع الأطراف المعنية.
وبالتوازي مع التحضيرات للقاء الخامس عشر من آب، مع ما يرمز إليه هذا التاريخ في الوجدان المسيحي المريمي، يكثف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالاته بزعماء منطقة الشرق الأوسط، اعتقادًا منه وفريق عمله أن تجنيب لبنان الحرب الكبرى لا يزال أمرًا ممكنًا وواردًا، باعتبار أن نجاح المساعي في التوصل إلى وقف النار في غزة قد يقنع إيران بعدم التصعيد مع إسرائيل وحضّ شركائها في المنطقة على عدم إعطاء إسرائيل حجة إضافية لجرّ لبنان إلى الحرب التي تريدها وتسعى إليها. إلاّ أن آخر المعلومات المستقاة من “حارة حريك” تؤشرّ إلى أن “حزب الله” سيرّد في المكان والزمان المناسبين على عملية اغتيال القيادي فؤاد شكر حتى ولو تمّ الاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة.