كتبت جويس الحويس في موقع JNews Lebanon
رأينا منذ بضعة أشهر، خبر توقف صدور صحيفة نداء الوطن بنسختها الورقية واكتفائها بالصدور الكترونيًا. لتعود وتتوقف الكترونيًا منتصف حزيران 2024، هذا الخبر طرح العديد من علامات الاستفهام بشأن مصير الصحافيين العاملين فيها، بالإضافة إلى حقوقهم ومستحقاتهم.
وكان قد سبق للعديد من الصحف أن توقفت عن الصدور بسبب الأزمة الإقتصادية التي يعاني منها لبنان، وقد واجهت وسائل الإعلام اللبنانية خلال السنوات العشر الماضية تحديات كثيرة، سواءً بسبب الانكماش الاقتصادي أو جائحة كورونا.
وحيث أن الإعلام اللبناني يحرص دائمًا على إستخدام أحدث التقنيات التي تساعده على إيصال الأخبار والمعلومات بالصورة المناسبة، ويعمل على توفير التفاعل وتسهيل عملية تبادل المعلومات، كانت أهمية إقرار التشريعات الضرورية التي تحفظ حقوق الصحافي وتؤمن الحوافز التي تشجعه على الاستمرار برسالته الصحافية بكل موضوعية ومهنية
أهمية الحوافز في الإعلام
تُعتبر الحوافز من القضايا الأساسية والضرورية في إطار استمرارية العمل الصحافي والحفاظ على الموضوعية والمصداقية في نقل الخبر، وهي النقطة الشائكة التي على قانون الإعلام الجديد المتوقع صدوره أن يُسلط الضوء عليها بصورة أساسية، فهي تساعد على تشجيع الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية على الإبداع والإبتكار في المضامين المقدمة، وهذا يحتاج إلى توفير مدخول مادي معين يساهم في بلورتها.
تشمل هذه الحوافز الشق الضريبي، وهنا نتحدث عن التخفيضات على رسوم استيراد المعدات الجديدة، بالإضافة إلى الحصول على إعفاءات جمركية، دون أن ننسى أهمية أن يحصل الصحافي على باقات خاصة بالاتصالات تتضمن العديد من التخفيضات، ما يشجع على الاستثمار في قطاع الإعلام، ويشكّل دعمًا للوسائل الإعلامية القائمة، كما ويكون نقطة تحوّل في إطار تشجيع إطلاق وتطوير وسائل إعلامية جديدة.
ولا يمكن أن ننسى أهمية أن تواكب الوسائل الإعلامية التطور والإصدارات الحديثة، وهنا تلعب الحوافز دورًا في تشجيع الإبتكار التكنولوجي في قطاع الإعلام الذي يتطلب مجموعة من الاستراتيجيات المدروسة والمتكاملة التي تشمل الدعم الحكومي، التعاون بين القطاعات، وتحسين بيئة الأعمال، وبالتالي استقدام أحدث التقنيات وزيادة القدرة التنافسية في المجال.
كما تساهم الحوافز في الحدّ من انتشار المال السياسي في العمل الصحافي، من خلال تأمين مصادر دخل للقطاع الإعلامي تمنحه الاكتفاء الذاتي وبالتالي التعامل بصدق وشفافية وموضوعية في عملية نقل الأخبار.
نماذج أوروبية تستحق الإقتداء بها
في أوروبا، وبحسب دراسة أعدّها الصحافي أتيلا مونغ بالتعاون مع مركز أبحاث الإعلام والصحافة الأوروبي، ومؤسسة مهارات، بعنوان “مؤسسات صحافة الشأن العام الناشئة في أوروبا” (توثق نجاحات وتحديات وتجارب الشركات الناشئة في مجال الصحافة في أوروبا)، لا يتّم فرض قيودٍ محددة على إنشاء وسائل الإعلام أو الحصول على رخص لها، فالإتحاد الأوروبي عمل خلال السنوات الأخيرة على تحسين البيئة الاقتصادية لوسائل الإعلام من خلال إقرار إصلاح حقوق المؤلف في الاتحاد الأوروبي خلال العام 2019، من أجل حماية الاستدامة المالية وتقليص الفجوة بين الأرباح التي تحققها منصات الإنترنت والأرباح التي يحققها صانعو المحتوى.
ويعزز الاتحاد الأوروبي تكافؤ الفرص بين هيئات البث ومشغلي الوسائط عبر الإنترنت ضمن خدمات وسائط الإعلام السمعية والبصرية، كما أنّه تمّ وضع قانون للخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية الذي يساعد على جعلها أكثر عدالة.
هذا وقدّم الاتحاد الأوروبي العديد من المبادرات التي تهدف إلى دعم وسائل الإعلام الإخبارية، وتأخذ في الاعتبار التحديات التي تواجه قطاع الإعلام الإخباري وإيجاد الحلول المناسبة لمعالجتها. كما وخصص ميزانية قدرها مليون يورو لتعزيز مكانة مجالس الصحافة والإعلام والمساعدة على تطوير المعايير الأخلاقية في العمل الصحافي، بالإضافة إلى مبلغ 4.1 مليون يورو لدعم مشروع وضع آلية استجابة سريعة للحدّ من الانتهاكات لحرية الصحافة والإعلام، وتقديم المساعدة للصحافيين المعرضين للتهديد. وخصص تمويلًا لدعم قطاعات وسائل الإعلام الإخبارية من أجل مساعدة القطاع على اختبار نماذج جديدة لأعمال قابلة للتطبيق وتطوير معايير خاصة بسياسات التحرير، وتعزيز المحتوى التعاوني وتدريب المهنيين بالإضافة إلى مشاركة أفضل الممارسات.
الحوافز الإعلامية من الإصلاحات الأساسية
في ظل هذه المبادرات العديدة التي قدّمها الاتحاد الأوروبي، يشير النائب السابق غسان مخيبر، وهو خبير مشارك في اجتماعات اللجنة الفرعية المعنية بدراسة مشروع قانون الإعلام اللبناني الجديد، إلى أن اقتراح القانون المقدم بصيغته الحالية لا ينص على أيّة حوافز، بل هناك موجبات توضع على عاتق المؤسسات الإعلامية التي تلزمها بشفافية أكبر لناحية رأس المال وكيفية صرفه، مشددًا على ضرورة تطوير الإعلام العام الذي يجب أن يكون لديه حوافز مالية ويكون ممولًا تمويلًا كافيًا ليكون من بين أفضل الوسائل الإعلامية اللبنانية الموجودة وليس أسوأها تمويلًا.
من جهتها، كشفت منسقة تجمع نقابة الصحافة البديلة إلسي مفرّج أنه في قانون الإعلام الجديد ليس هناك أي نقطة واضحة بشأن الحوافز والتوجه هو للإستغناء عن ضرورة وجود رخصة مسبقة لأي وسيلة إعلامية، باستثناء المؤسسات التي تريد استعمال الترددات التي تنظمها الدولة، وبحسب القانون سيُستعاض عن الرخصة بالعلم والخبر.
ويعتبر مخيبر أن اللجنة الفرعية التي تدرس قانون الإعلام تعمل بسرعة لكن بدون تسرّع، ويمكن أن تأخذ الأمور بعض الوقت، مؤكدًا على ضرورة أن تكون حرية الرأي والتعبير مصانة، “وعلى الإعلام المهني أن يكون لديه موجبات إضافية، لناحية أهمية أن يركن إلى معلومات أكثر دقة، والإلتزام بمجموعة من القواعد الأخلاقية في إطار نقل الخبر”.
أما مفرج، فشددت على أن تنظيم العمل الإعلامي يحمل وجهين، فالتنظيم يمكن أن يكون للتقيّد، أو التنظيم من أجل وضع الأمور ضمن الإطار القانوني المناسب، وهنا أهمية العلم والخبر لانشاء وسائل إعلام جديدة، مضيفة: “هنا نتحدث عن المواقع الإلكترونية، البودكاست، والوسائل الإعلامية التي تبث إلكترونيًا، وبالتالي تسجيل هذه الوسائل الإعلامية سيساعد على تأمين الحماية للصحافيين الذي يعملون فيها، والحدّ من انتشار الأخبار الكاذبة والمضللة”.
وتبقى أهمية إدراج الحوافز في مشروع قانون الإعلام اللبناني الجديد خطوة مهمة نحو تعزيز الحريات الإعلامية والحث على تحقيق التوازن بين حرية الصحافي في العمل بمهنية والتعبير عن رأيه بدون أية قيود وبين حق الجمهور في الحصول على المعلومة الدقيقة والموثوقة، فتصميم الحوافز بالشكل الصحيح والفعال يمكن أن يسهم في تحفيز عمل الصحافة الحرة ضمن إطار احترام تعددية الآراء في المجتمع اللبناني.
لكن، لا بدّ من الإشارة أخيرًا، إلى أهمية أن تُعتمد هذه الحوافز في إطار توسيع وتطوير القطاع الإعلامي، ويتّم اقرارها بالتوازي مع سياسات تهدف إلى تحقيق الشفافية في هذا القطاع ومكافحة الفساد بعيدًا من استغلالها لتحقيق مصالح شخصية.