اختتمت أعمال المؤتمر الدولي الإسلامي -المسيحي حول تطبيق وثيقة الأخوةف الإنسانية المنعقد في كلية اللاهوت للتصوف التابعة للرهبنة الكرملية في مدينة أفيلا الاسبانية بمشاركة كوكبة من المفكرين والباحثين والعلماء من دول متعددة.
استهل الجلسة الختامية الكاردينال كريستوبال لوبيث روميرو، رئيس أساقفة الرباط بمداخلة عن الأخوة اليوم انطلاقا من الأخوة الإنسانية للبابا فرنسيس.
بعدها، كانت هناك مداخلة قيمة أعدتها الأستاذة أمال صانع رئيسة مركز عكار للتنمية المستدامة مرفقة بريبورتاجات خاصة عن عيد البشارة واللقاءات الإسلامية -المسيحي وأبرز ما جاء في مداخلتها:”
أطلق البابا يوحنا بولس الثاني مقولته الشهيرة عن لبنان، إبان زيارته التاريخية لوطننا في العام 1997، بأنه “وطن الرسالة” والتي وردت في متن الارشاد الرسولي الذي وقّعه تحت عنوان:”رجاء جديد من أجل لبنان”.
قال البابا:
“ان لبنان لأكثر من وطن،
هو رسالة حرية وعيش مشترك للشرق والغرب،
لبنان هو أكثر من وطن، وأكثر من بلد
انه رسالة
رسالة العيش المشترك السويّ بين المسيحيين والمسلمين
ورسالة للغرب الأوروبي والأميركي مثلما هو رسالة للشرق العربي والاسلامي،
أي انه رسالة عالمية”.
فهل فعلا لبنان هو وطن الرسالة؟؟
وهل ما قاله البابا ينمّ عن اقتناع فعليّ لديهِ؟؟
أم انه يندرج في إطار رسالة حضّ لتشجيع اللبنانيين على تجاوز انقساماتهم وخلافاتهم من خلال توحيدهم حول مثل عليا وقواسم مشتركة؟؟
نذكر على سبيل المثال عيد بشارة السيدة العذراء.
وتجسيدا لفكرة البابا عن لبنان، وبناء على علاقة البابا بالسيدة مريم لما كانت تمثّل بالنسبة اليه من قيم روحيّة جامعة، سعى بعض المثقفين والمفكرين والناشطين في موضوع المواطنيّة اللبنانية لدى الدولة اللبنانية الى جعل عيد البشارة عيدا وطنيا رسميا يُحتفل به شعبيا في 25 آذار من كل عام.”
كما كانت مداخلة عن الخوار الأخوي بين البابا فرنسيس، وسماحة السيد السيستاني في العراق ألقاها الدكتور مازن بكري.
بعدئذ، ألقى القاضي الدكتور محمد النقري كلمة حملت العديد من التوصيات والتطلعات:”
أوجه التقارب الإسلامي المسيحي
في الجانب الديني يعتقد المسلمون بأن القرآن الكريم منح السيد المسيح عليه السلام وأمه البتول تبجيلاً وتعظيماً يندر أن يذكرهما أي كتاب آخر، إذ أنه يحتوي على ما يأتي :
يحتوي القرآن الكريم على سورة خاصة بنسب العذراء مريم وهي ثاني أطول سورة في القرآن : آل عمران
أفرد القرآن الكريم سورة كاملة بإسم والدة المسيح عليه السلام : مريم
ورد اسم مريم في القرآن في سبع وثلاثين موضعاً ، وصفت بأسمى معاني التقدير والتبجيل :
أحد عشر مرة منفصلة أي باسمها غير مضاف إلى اسم آخر
مرتان مسبوقتان بكلمة إبن أي ابن مريم
ثلاث مرات مسبوقين بكلمة المسيح عيسى أي المسيح عيسى ابن مريم
خمس مرات مسبوقين بكلمة المسيح فقط أي المسيح ابن مريم
ستة عشر مرة مسبوقين بكلمة عيسى فقط أي عيسى ابن مريم
كما دلت عليها بعض الآيات بالإشارة دون ذكر اسمها مثل ” والتي أحصنت فرجها” أو بأنها أم المسيح ووصفها بالصديقة وذلك في الآية : “وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ”
المسيح عليه السلام : تناول القرآن قصة المسيح منذ لحظة ولادته إلى نهاية وجوده المتمثل برفعه حياً بجسده وروحه إلى السماء وعودته الأرض في آخر الزمان.
الإنجيل : ذكر الإنجيل (وهو وحي إلهي) في القرآن الكريم في إثني عشر موضعاً حيث وصفه:
بأن الإنجيل هو الهدى
الإنجيل هو النور
الإنجيل هو المصدق للتوراة
الإنجيل هو الموعظة للمتقين
الحواريون : ذكر الحواريون في خمسة مواضع ، حيث وصفوا :
بأنهم تلاميذ المسيح وأنصاره الذين آمنوا به وصدقوه واتبعوا دينه
إيمان الحواريين وشهادتهم بأنهم مسلمون (إي مستسلمون لله) :
طلب الحواريون من المسيح عليه السلام معجزة من السماء حتى يزدادوا إيماناً
امتدح القرآن الحواريين ودعا إلى الإقتداء بهم : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ” ووصفهم بالرأفة والرحمة ” وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ”
مشاركة المسلمون والمسيحيون الأوائل أماكن العبادة :
أهمها مشاركتهم في دمشق للدخول عبر باب واحد الى المسجد والى الكنيسة لمدة تزيد عن سبعين عاماً، حيث كان المسلمون يصلون بجانب والمسيحيون بالجانب الآخر ، إلى أن كثر عدد المسلمين فوافق المسيحيون على استبدال كنيستهم كنيسة يوحنا بأراض أخرى يملكها المسلمون، فوسع المسلمون مسجدهم فكان المسجد الأموي وشيد المسيحيون كنيستهم فكانت كنيسة توما أو مريم.
عيد بشارة العذراء مريم
لقد أطلقت مبادرتي بهذا الخصوص منذ سنوات عديدة : وهي أن نبحث نحن المسلمون والمسيحيون عن مبادئ مشتركة طبيعية غير مصطنعة لكي نلتقي بها سوياً من أجل كلمة سواء ، نؤكد فيها ايماننا بالله وبرسله وأنبيائه وكتبه السماوية التي يؤمن بها كل واحد منا على حدة وباليوم الاخر وبالأعمال الصالحة الخيرة. وقد كانت باكورة هذه المبادرات التي أطلقتها في بعض الدول الأوروبية وفي لبنان هي الإلتقاء حول سيدتنا مريم لما تحمله من معاني الإصطفاء والطهارة والفضل على نساء العالمين. نشترك نحن المسلمين والمسيحيين بمحبتها وبمحبة ابنها السيد المسيح عليهما السلام وبالإيمان بالمعجزة التي تلقتها بين نساء العالمين بقدرة الكلمة ” كن” فكانت بشارة الملك جبريل لها وحبلها دون اي واسطة بشرية إظهاراً لهذه القدرة الإلهية المعجزة. هذه النقاط المشتركة هي التي دفعتنا الى الإلتقاء حولها حيث يتجاذبنا الحديث في لقاء سنوي يجمعنا ذكرها ومحبتنا لها ومحبتها لنا : فيقرأ المسلم ما أفرده القرآن بسورة تحمل اسمها دون أن يشترك معها بهذه الخصوصية أحد من النساء على الإطلاق ، ويقرأ المسيحي ماذكره انجيله من كلام عن سيرتها ، وينشد المسلم أناشيد دينية عن حبها لله واصطفائها على نساء العالمين ، ويلقي المسيحي ترانيمه المقدسة التي تمجد اسمها، وأخيراً ندعو نحن المسلمون والمسيحيون مجتمعين بدعاء نتضرع به الى الله ليحمي لنا وطننا لبنان من الفتن، ويجعل المحبة والمودة تعمان بين جميع أبناءه .
لقد أصبحت هذه الاحتفالية عيداً وطنياً معطلاً بعد أن ناشدت الحكومة بإعلان عيد البشارة عيداً وطنياً جامعاً للمسلمين والمسيحيين. وقد استجابت الحكومة لهذا الطلب في سنة 2010 وأصبح لدينا في لبنان عيداً يجمعنا ببشارة العذراء مريم. وقد شاركني في هذه المبادرة أخ مسيحي هو ناجي خوري، وثلة من الجمعيات وعلى رأسها درب مريم ود. حسن عبود.
منذ سنتين بادرت مع مجموعة من الأصدقاء والمطارنة والمفتين وعلى رأسهم مطران جبيل ميشال عون والمفتي الشيخ غسان اللقيس بإعلان يوم مفتوح لزيارة الكنائس والمساجد في جبيل بمناسبة العيد الوطني لبشارة العذراء مريم، وسنقوم بمشاهدة فيديو عن هذا الإحتفال.
لقد أوجد هذا اللقاء ظاهرة ثقافية عالمية جديدة خدمت الإسلام والمسيحية على السواء ، وأظهرت بأن المسلم والمسيحي لديهما المقدرة انطلاقا من إيمانهما بالله الواحد وبمبادئ دينهما السامية وبمحبتهما المشتركة لسيدتنا وسيدة نساء الكون مريم أن بامكانهما العيش سويأ في وطن واحد يحترم كل واحد منهما دين الآخر ومعتقده ، ويتركون ما يختلفون فيه إلى يوم الحساب ويوم الدينونة حيث يطلع الله مؤمنيه بما اختلفوا فيه، ويحاسبهم عليه بمقتضى عدله ورحمته.
معهد الدراسات الإسلامية المسيحية في الجامعة اليسوعية
حيث نشترك كأساتذة رجال دين مسيحيين ومسلمين في إعطاء محاضرات مشتركة تتناول المداخل الى العقيدة وعلوم اللاهوت وقوانين الأسرة والبيئة والحوار الإسلامي المسيحي والتفاسير الانجيلية والقرآنية والطقوس والعبادات
الترخيص الإذاعي والتلفزيوني
للحصول على ترخيص إذاعي وتلفزيوني من الفئة الأولى يشترط القانون أن يكون الأعضاء من جميع الطوائف الدينية، تطبيقاً لهذا النص فإن إذاعة القرآن الكريم وتلفزيون الآفاق تضم أعضاء في مجلس ادارتها من المسيحيين.
لقاءات وجمعيات وفنون ومسرحيات مشتركة
كثيرة هي الجمعيات واللقاءات المشتركة التي تجمع المسلمين والمسيحيين، حتى في تأليف الفرق الموسيقية والمسرحية وفي مختلف الفنون. من ضمن هذا الجمعيات درب مريم التي يمثلها خير تمثيل د. حسن عبود. كما لم يقتصر مجال تمازجنا على الجوانب الدينية بل تعداها الى المؤسسات الاقتصادية باعتبار أن الاقتصاد يجب الا يقوم على الربح وانما أيضا لسعادة الانسان. من أجل تحقيق هذه الهدف أنشأنا مع باقة من الأعضاء المسيحيين اللبنانيين وبالاشتراك مع UNIAPAC تجمع رؤساء المؤسسات الاقتصادية الكاثوليك في العالم ما سميناه في لبنان : اللقاء الإسلامي المسيحي لرجال الأعمال.
مناسبة رابعة أيوب
يتلاقى المسلمون والمسيحيون منذ مئات السنين في آخر يوم أربعاء من شهر أبريل نيسان للإحتفال معاً في مناسبة يطلق عليها رابعة أيوب. هذه المناسبة تجد ركيزتها في الكتاب المقدس الذي ذكر المرض الذي ابتلي به النبي أيوب : (فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ حَضْرَةِ الرَّبِّ، وَضَرَبَ أَيُّوبَ بِقُرْحٍ رَدِيءٍ مِنْ بَاطِنِ قَدَمِهِ إِلَى هَامَتِهِ. فَأَخَذَ لِنَفْسِهِ شَقْفَةً لِيَحْتَكَّ بِهَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي وَسَطِ الرَّمَادِ”). واما فيما ذكره القرآن الكريم فإن أيوب نال الشفاء بواسطة الماء، وفي تفسير ابن كثير بأن الله أنبع عينًا وأمره أن يغتسل فيها فأذهبَ جميع ما في بدنه من الأذى، ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر فأنبع له عينًا أخرى، وأمره أن يشرب منها فأذهب جميع ما في بطنه من السوء، وتكاملت العافية ظاهرًا وباطنًا (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ* ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ*وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ* وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ)
هذه الحادثة خلدها أهالي بيروت دون غيرهم من باقي مدن العالم بطبق من اطباق الحلوى تسمى “المفتقة” والتي تقدم بمناسبة رابعة أيوب. فلقد اعتاد أهل العاصمة اللبنانية إعداد طبق المفتقة خلال الاحتفال بـ«أربعاء أيوب» من كل عام. ومع أن هذه الاحتفالات قد توقفت منذ الستينات، فإن البعض ما زال يواظب على إحيائها كتقليد جميل.
من طقوس هذه الاحتفالات التي كانت تقام على شاطئ البحر في بيروت، وتحديدا في منطقتي رملة البيضا والأوزاعي البعيدة عن السكن في حينها آنذاك كان البيروتيون ينصبون الخيام ويمضون يومهم في ظلها احتفالا بشفاء النبي أيوب الذي يحكى أن حكماء ذلك الزمن نصحوه بطمر نفسه في الرمال. أما الأطفال الصغار فكانوا يحتفلون على طريقتهم الخاصة بشفاء أيوب، حين كانوا يرافقون أهلهم إلى الشاطئ فيلجأون إلى صنع طائرات من ورق ويلهون بها على الرمال.”
ختاما، شكرت الأستاذة الجامعية الدكتورة حسن عبود الجهة الداعية والمنظمة هذا المؤتمر مشددة على دور المرأة في عالم اليوم، ومنددة بالعنف الدائر في المنطقة ولا سيما في غزة وما ينتج عن هذا العنف من دمار وقتل وإبادة بحق الانسانية،مطالبة بالعمل على وقف هذه الابادات وإيقاف الصراعات والحروب.
في الختام، نال المشاركون شهادات دولية من ادارة كلية اللاهوت للتصوف-أفيلا الاسبانية.