“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
ثلاث كلمات أطلقها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في حفل تأبين منسّق “القوات اللبنانية” في جبيل المرحوم باسكال سليمان، ساهمت في تفريغ مضمون خطاب بنته معراب و”أسست” عليه في سياق رفع الجهوزية لمواجهة “حزب الله” منذ الإعلان عن اختفاء سليمان ومن ثم مقتله. قال الراعي بما يمثله مسيحياً وأمام من حضر في باحة الكنيسة: “نثق برواية الجيش”.
ثلاث كلمات كان من مفاعيلها التالي:
1ـ فرّغت خطاب “القوات”، لجهة توجيه الإتهام السياسي إلى “حزب الله”. وبمعزل عما تضمّنه من مفردات وتعابير، أدى موقف الراعي إلى إنهاء أي مفاعيل سياسية للجريمة، وأعاد وضعها في سياقها الطبيعي كعملية سطو وسرقة. بهذه الطريقة، يكون الراعي، بما يمثله مسيحياً، قد انتزع خطاب معراب وأعطى صك براءة للحزب.
2-حاول الراعي من خلال كلمته، إعادة “تهذيب خطاب القوات” بما يتلاءم ودقة المرحلة، وبادر إلى وضع سُلم كي ينزل سمير جعجع عن الشجرة. وربطاً بتصريح الراعي، بدا أداء معراب مختلفاً عما شهدناه خلال الأيام الماضية.
3- أعاد الراعي تجديد الثقة بالتحقيق الذي أجرته مديرية المخابرات في الجيش، الذي وضع عملية قتل باسكال سليمان في خانة السرقة. وبإعلان ثقته برواية الجيش، يكون الراعي قد تبنّى الرواية الرسمية التي قدمها هذا الأخير، والتي رفضتها “القوات” لها منذ البداية من خلال بيان رسمي أصدرته.
ويجدر الإلتفات إلى أن خطاب وموقف الراعي، ومن ثم التزام “معراب” معه، أدى إلى سخط عارم لدى مقربين سياسياً من الأخيرة، كانوا يأملون في أن ترفع قيادة “القوات” من منسوب احتجاجها في وجه الحزب وتنقله إلى سياق آخر. وكتعبيرٍ عن غضبهم، ذهب هؤلاء إلى التصويب مباشرة على الجيش، وبلوغ بعضهم سقف تهديد الجيش بـ”إطلاق النار على دورياته”، وهو فعلياً تصويب على بكركي أيضاً.
في هذا الصدد، علم “ليبانون ديبايت” أن “القوات” عمّمت ليلة تشييع سليمان (وقبل خطاب الراعي) على نوابها ومسؤوليها ومناصريها بضرورة التهدئة. لكن ما الذي حدث قبل ساعات حتى أجرت معراب هذه “التكويعة”؟
بدأت القصة منذ زيارة قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى بكركي ولقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي. قبل زيارة عون كان الراعي يتطابق بوجهة نظره مع توصيف “القوات” لناحية اعتبار مقتل باسكال سليمان كناية عن اغتيال ببعد سياسي.خلال الزيارة، وضع عون الراعي في صورة التحقيق الذي أجرته مديرية المخابرات، ووضع في عهدته الخلاصات التي نتجت عنه، وعرض القرائن والمعطيات التي تم تجميعها. وقد تم وضع الراعي في صورة الشهادات التي أدلى بها الموقوفون، وحركة الهواتف الخليوية، ومشاهد كاميرات المراقبة، كما وضعه في صورة معطيات دقيقة لم يتمّ كشفها عبر الإعلام، تجزم أن الحادثة عبارة عن سلب بهدف السرقة. وقد تضمّنت “المكاشفة” إجابات واضحة حول عدة تساؤلات أساسية ترتبط بمسار القضية. وربطاً بالثقة التي يوليها صاحب الغبطة لقائد الجيش، عدّل الأخير من رؤيته، وتبنّى تحقيقات الجيش ورؤيته لما حدث، وبقيت قناة التواصل مفتوحة بين الطرفين.وتردّدَ أن قائد الجيش قد طلب إلى الراعي التدخل لدى معراب بهدف تهدئة الشارع وعدم الذهاب نحو التوتير أو العمل على تأجيج المشاعر الطائفية ما قد يؤدي إلى فتنة. وفهم أن قائد الجيش أبدى صرامة وكشف عن نية الجيش التحرّك بعد ساعات لضبط الشارع في محاولة لإرساء التهدئة مفسحاً في المجال أمام التدخلات. وفهم ايضاً أن التوقيت الذي حدده الجيش كان عشية تشييع سليمان في جبيل.
وبناءً على ما سمعه الراعي من قائد الجيش، جرى تواصل مع معراب، وتم وضع رئيس حزب “القوات” سمير جعجع بصورة ما بلغه من قائد الجيش. وقيل أن الراعي لفت انتباهه إلى أنه يثق بتحقيقات الجيش، وإن على معراب أن تعمل على التهدئة مخافة “خروج الأمور عن السيطرة”.
وفي ما بعد، بعثت برسالة إلى معراب، تشير إلى عزم الجيش التحرك “على الأرض” ليلة التشييع. ومن الواضح أن الجو العام أوحى أن الجيش لن يتعامل مع الشارع كما جرى التعامل فيه خلال مرحلة 17 تشرين الأول 2019.
وإن الجيش عازم هذه المرة على ضبط الشارع والتصدي لأية محاولات لإقفال الطرقات لاسيما وأنها تتزامن مع حلول عيد الفطر. وكإثبات على جديته، بدأ الجيش منذ غروب الخميس، تسيير دوريات مؤللة كبيرة على التقاطعات الأساسية لاسيما شرق بيروت وفي جبيل وبمحيط منطقة التشييع، وعمل على تسيير دوريات على طول خط صيدا القديمة، إبتداءً من كفرشيما – الحدت ولغاية الحازمية، كما سيّر دوريات أخرى على طول الخط البحري، وبين الشياح وعين الرمانة وصولاً إلى الطيونة، وباتجاه بيروت.
هذا التحول، ألزمَ القوات “تهذيب” خطابها لاسيما نهار التشييع، ما انعكس على مواقف نواب ومسؤولين فيها، مع تسجيل اختراقات من جانب بعض النواب لغايات معروفة. مع الإشارة إلى كون معراب حافظت على “جدول المهرجان” كما كان مخططاً مع التزام تخفيض سقفها. ومع إعلان الراعي أنه يثق بالتحقيق الذي قام به الجيش، كان لا بدّ لمعراب أن تسير “تحت خيمة” بكركي، وهو ما سيتجلى خلال الأيام المقبلة.