3 مسائل أساسيّة تمت إثارتها خلال الساعات الماضية، وتتعلّق بجبهة جنوب لبنان حصراً. المسألة الأولى ترتبطُ الحديث الإسرائيليّ عن أن إيران لا تريد الذهاب بعيداً باتجاه حربٍ ضد إسرائيل عبر “حزب الله”، فيما الثانية جاءت لتدعم الأولى من خلال تقريرٍ لوكالة “رويترز” يتحدّث عن أن قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني تبلغ من أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله أن الحزب سيقاتل بمفرده ولا يريد إنجرار إيران إلى حرب مع إسرائيل. أما المسألة الثالثة فتتعلق بتقريرٍ بريطاني يتحدث عن أن إيران تستخدم الموانئ الأوروبية تمويهاً لنقل الأسلحة إلى “حزب الله”.
ماذا تعني كل هذه المسائل المترابطة مع بعضها البعض؟ وما هي دلالاتها من حيث التوقيت؟
إذا تمّ النظر إلى المسألتين الأولى والثانية، فإن ما سيتبين بشكل علني هو أن هناك نية إيرانية لتجنب أي تصعيد ضدّ إسرائيل. الأمر هذا يعني من حيث الدلالة أن طهران تسعى لـ”خفض رأسها” قليلاً وتجنب الذهاب نحو معركة شاملة قد تؤدي إلى الإضرار بمصالحها في المنطقة وذلك في ذروة التقاطعات الإقليميّة التي تسعى إيران لاغتنام فرصتها ضمنها. كذلك، ومن حيث التوقيت، فإن ما يهم إيران الآن هو الذهاب نحو التهدئة أكثر من الجنوح باتجاه الحرب، والسبب هو أن المكتسبات التي تم تحقيقها من خلال حرب غزة لا يمكن إضاعتها بأي معركة شاملة قد لا تقدم ولا تؤخر كثيراً بالنسبة لها حالياً.
ما يؤكد هذه الفرضية هو ما قاله نصرالله في خطابهِ الأخير يوم الأربعاء الماضي، حينما أعلن صراحة أن إسرائيل خسرت الحرب، مُتحدثاً أيضاً عن “إنتصار حماس” ومحور المقاومة فضلاً عن الإنجازات الميدانية التي حققها “حزب الله” على جبهة جنوب لبنان. وعملياً، فإن كل ذلك يمهد إلى نقطة محورية وهي أنه تم جني ثمار المعركة الحالية من وجهة نظر “حزب الله”، ما يعني أن المرحلة التالية لن تكون مرحلة تصعيد والإشارات على ذلك عديدة وهي: بقاء “حماس” في طليعة المفاوضين بشأن غزة، التزعزع الإسرائيلي على صعيد الجبهة الداخلية وإستمرار تهجير المستوطنين، الأزمة العددية التي يعاني منها الجيش الإسرائيلي.
لهذا، فإن تم جمع كل هذه المعطيات معاً، سيتبين أنّ المعركة بالنسبة للإيرانيين قد تبدلت مساراتها، وباتت الأمور مرتبطة بـ”تقطيع وقت” لا أكثر. ومن هنا، يمكن الإنطلاق باتجاه قراءة الميدان وتفسير ما يجري ضمنه، حيث يؤدي “حزب الله” دوراً تكتيكياً جديداً يتصل بإطلاق صواريخ عشوائية مع تقليل العمليات التي تستخدم خلالها الصواريخ الدقيقة والمؤثرة.
في الواقع، كل ذلك يعتبر مطلوباً من ناحية الحزب والإيرانيين بشدة لإظهار أن محورهما تراجع خلف “عتبة الحرب”، وفي الوقت نفسه يأتي الأمر الأساس المرتبط بالحفاظ على قدرة “حزب الله” الصاروخية والعسكرية وعدم إهدارها أبداً طالما أن الظروف الإقليمية والتفاوضية المرتبطة بغزة تسير لصالح “حماس”.
ماذا عن المسألة الثالثة بشأن تهريب إيران أسلحة عبر البحر؟ ولماذا أثيرت الآن؟
المسألةُ المرتبطة بتهريب الإيرانيين لأسلحة عبر البحر ليست جديدة، كما أنه في أوقات سابقة تم الحديث عن تهريب طهران أسلحة لـ”حزب الله” بواسطة الطائرات المدنية.
إن تم النظر قليلاً في عمق المسألة، من الممكن أن يتصل مضمون الكلام الأخير عن تهريب الأسلحة ببعدين أساسيين: الأول يرتبط بحرب نفسية عنوانها إن الغرب والأميركيين والإسرائيليين يرصدون كافة تحركات إيران باتجاه “حزب الله” وأن كافة الأنشطة المسلحة تحت الرصد. على صعيد البعد الثاني فقد يتصل بالذهاب نحو تكريس تهديد إسرائيليّ مبطن باتجاهِ أي قافلات إيرانية بحرية، على أن يكون ذلك بمثابة ردّ غير مباشر على التهديدات التي تطال السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر ورأس الرجاء صالح.
بشكل أو بآخر، يمكن أن تمهد تلك المسألة إلى تكريس جبهة بحرية جديدة، فما الذي يمنع حصول مضايقات بحرية للسفن الإيرانية؟ ما الذي يمنع حدوث هجمات مباغتة كتلك التي يقوم بها الحوثيون في البحر الأحمر؟
في المحصلة، كل شيء وارد طالما أن المعارك مفتوحة على جبهات عديدة، فكل السيناريوهات مطروحة والعبرة دائماً في الخواتيم.. وحتماً، فلننتظر ونراقب…