في غمرة المستجدّات الأمنيّة والسّياسيّة وفي خضّم الجبهة الجنوبيّة المتقدمة، تمكن قرار المحكمة العسكريّة القاضي بالحكم على إثنين من كبار تجار المخدرات في لبنان، نوح علي داوود زعيتر، وعلي منذر زعيتر المُلقب بـ”أبو سلّة”، بالإعدام، من اجتذاب اهتمام الشارع اللّبنانيّ وكذلك السّوريّ. ذلك لأن هذا الحكم الأوّل من نوعه بحقهما، ولو كان غيابيًّا، فيه شيءٌ من الانتصار للعدالة للشعبين اللذين عاشا مآلات التسيب والانفلات الذي تُغطيه قوى الأمر الواقع من ميليشيات وجيشٍ “نظاميّ” سوري وتُيسره بصورة مواربة، والذي يُقابله بالتّوازي تاريخٌ طويل من غياب المساءلة الجديّة والعدالة، المُحفز الأساس للتطبيع الملتبس مع الجريمة لدى هذين الشعبين.
حكم بالإعدام وأمن توافقيّ
وفي تفاصيل الحكم، الذي صدر في الأيام القليلة الماضيّة، حسب ما أشارت المصادر القضائيّة في المحكمة العسكريّة لـ”المدن”، أن المحكمة العسكريّة الدائمة برئاسة العميد الركن خليل جابر، أنزلت عقوبة الإعدام غيابيًا بحقّ نوح زعيتر وعلي زعيتر (أبو سلّة)، وحكمت على مهدي زعيتر (نجل نوح زعيتر)، بالسّجن أربع سنوات. وذلك بجرائم تشكيل عصابة مسلّحة بقيادة “أبو سلّة”، وإطلاق النار على عناصر الجيش اللّبنانيّ بهدف قتلهم، ما أدى إلى مقتل عريف من آل شمص وجرح آخرين، خلال عمليّة دهم قام بها الجيش في حيّ الشروانة الواقع في الطرف الشماليّ لمدينة بعلبك، مطلع شهر حزيران من العام 2022 لمطلوبين بتجارة المخدرات، أبرزهم “أبو سلّة” (راجع “المدن”). هذا ونال علي زعيتر (نجل نوح زعيتر)، حكمه الثاني بالبراءة للشكّ وعدم كفاية الدليل.
وهذا الحكم بحقّ التاجرين الخطيرين، يُعد الأوّل في لائحة الأحكام الصادرة بحقهما، من قبل المحاكم العسكريّة والعاديّة، التّي قضت سابقًا بإنزال عقوبة الأشغال الشّاقة المؤبدة بحقّهما بجرم تجارة المخدرات.
وللعلم فإن عملية الدهم مطلع حزيران العام 2022، آنفة الذكر، والتّي كانت أولى عمليات الخطة الأمنيّة التّي أطلقها الجيش بمؤازرة سائر الأجهزة، جارّةً في أعقابها سلسلة دوريّة ومكثفة من العمليّات الأمنيّة في مختلف أنحاء قرى وبلدات البقاع الأوسط والشماليّ، كجزء متأصل من الحلّول الجذريّة، للوضع الأمنيّ المأزوم في المنطقة؛ لم تنجح، بعد تدخلات عشائريّة وحزبيّة وسياسيّة، لوقف العمليّة التّي داهم فيها الجيش منازل مطلوبين على امتداد البلدات البقاعيّة.
إذ أن الجيش وقتها، والذي خسر أحد عناصره (العريف زين العابدين شمص)، وحاز على الغطاء الشعبيّ والعشائريّ في خضم العمليّة، تمّت عرقلة مساعيه، عقب زيارة وفد من عشائر المنطقة، القريبة لـ”أبو سلّة” ” مكتب الوكيل الشرعيّ للخميني في لبنان وعضو شورى حزب الله محمد يزبك في مكتبه في بعلبك، وخرجا حينها بتصريحين يمهلان فيه الجيش ساعة لوقف ملاحقة المطلوبين و”إلا..”! في حين رفضت عشيرة زعيتر تسليم المطلوبين ورأت في الجيش اللبناني جيشًا غريبًا. أما يزبك فقد كانت رسالته واضحة: “نشكر آل زعيتر الذين ضبطوا أنفسهم وضبطوا سلاحهم، وإذا بعد ساعة أو ساعتين لم تحل الأمور، فنحن متضامنون معكم وسنقف إلى جانبكم”.
ونوح زعيتر، المُلقب بـ”روبن هود البقاع”، في كنايةٍ عن أعماله “الخيريّة” ومساعدته للمقربين منه من المفقرين والمغلوب على أمرهم، وكذلك مناصريه، قد حاز على شهرةٍ واسعة كشخصيّة جدليّة بتحميله الدولة اللّبنانيّة مسؤوليّة خروجه عن القانون – كجزء من سرديّة المظلوميّة التاريخية لأهالي البقاع الشماليّ – وبوصفه واحدًا من أبرز المطلوبين بالاتجار بالمخدرات منذ تسعينيات القرن الماضي وصولًا إلى اليوم (في وقت يزعم فيه المقربون منه أنه اعتزلها)، وصدرت بحقّه عشرات مذكرات البحث والتحري، وأخرى كأحكام غيابيّة، فيما لا يزال متواريًّا عن الأنظار، رغم إطلالاته الإعلاميّة المتكررة. وعام 2021، أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة اللبنانية سلسلة أحكام بحق نوح زعيتر وآخرين، بتهمة الترويج للمخدرات والاتجار بها.
ومنذ نحو العام، وتحديدًا في 28 آذار 2023، أعلنت وزارة الخزانة الأميركيّة، لائحة من العقوبات ضمّت زعيتر، وجاءت على خلفية دعم المتهمين لنظام الأسد، وضلوعهم بتجارة الكبتاغون (فضلًا عن صلّة زعيتر بحزب الله)، ، مشيرةً إلى أن العقوبات ستُنفذ تحت قانون “قيصر” لحماية المدنيين السوريين. وذكر البيان الصادر عنها أن قائمة العقوبات هذه من شأنها أن تسلط الضوء على “الدور المهم لمهربي المخدرات اللبنانيين -الذين تربطهم علاقات وطيدة بحزب الله- في تسهيل تصدير الكبتاغون”، كما تؤكد على “هيمنة عائلة الأسد على الإتجار غير المشروع بالكبتاغون لتمويل النظام القمعي”.
أما علي منذر زعيتر، فقد لُقب بـ”أبو سلّة” في كنايةٍ عن طريقة بيعه للمخدرات عن طريق “السلّة” التّي كان يرميها من شرفة المنزل الذي كان يقطنه في حيّ آل زعيتر في محلة الفنار – المتن، قبل أن ينتقل إلى الشراونة، حيث يقوم الجيش دوريًا بمداهمة أماكن تواجده المحتملة، وتمكن من الفرار دائمًا بعد الاشتباك مع القوات الداهمة، وما يتزامن مع ذلك من جرح وقتل لهذه العناصر. وهو على لائحة كبار تجار المخدرات في البقاع ولبنان. هذه التجارة التّي تُنعشها خطوط التهريب غير الشرعيّ على مقلبيْ الحدود اللّبنانيّة -–السّوريّة، بتغطية أمنيّة لحزب الله بالشراكة مع قوات الأسد وتحديدًا الفرقة الرابعة. ووجهت إليه تُهم بكونه المسؤول عن اختطاف السّعودي مشاري المطيري في بيروت، وهو قائد المجموعة التّي أقدمت على عمليّة الاختطاف.