كتب شربل الصياح في موقع JNews Lebanon
سؤالٌ يستحقّ التّوقف عنده ، يسأله مؤمنون ، ملحدون ، لادينيّون…
سؤالٌ طُرِح بعدّة لغّات و هذا لا بأس به لأنّ الله يتقن جميع اللّغات.
قبلَ أن أتطرّق إلى السّؤال أودّ أن أوضّح مسألتين أساسيّتين.
الأولى ، لا أقدّر السؤال بقدر من يطرحه لأنّه يدلّ على مجهود فكرّي و إيمانيّ يقوم به المتسائل، فهو يبحث عن حوار يجريه بينه و بين الخالق ،
حتّى لو لم يكن على علمٍ بذلك و لو حتّى رفضه. لأنّهُ من الله . مهما بَعُدَ ، مِنهُ أتى و إليه يعود.
الثانية ، إجابتي على هذا السؤال مبنيّة على فهمي و معرفتي البسيطة بالله، لا على دراسات و أبحاث صادرة عن مراكز بحوث و دراسات استراتيجيّة سماويّة. شكراً لِتفهّمكم.
أوّلاً ، لم يكن الإنسان أوّل من طرح السّؤال .
إنّ السؤال تكوّن مع التّكوين : ” أين هابيل أخوك؟” (تك 4: 9)
نعم ، فالله هو الذّي طرحه و ما زال يطرحه حتّى يومنا هذا، لأنّ الإنسان قرّر أنّه ليس بحاجة إلى الله ليتدبّر أموره.
ربّما هو على حقّ ، و الدّليل حال البشريّة اليوم، و في كلّ مرّة يجيب فيها الله على هذا السؤال نرفض الإكتفاء بالإجابة.
لإنّه إن خُيِّر الإنسان بين إجابة سماويّة بسيطة و إجابة ماديّة معقّدة ، لن يتردّد في اختيار الإجابة التّي يحبّ سماعها لا التّي يجب سماعها.
كما بوجود ” النقطة ” أو بعدم وجودها يتغيّر مسار الّلغة، كذلك بوجود جواب ” الله ” أو بغيابه، يتغيّر مسارُ حياتنا.
لذلك ، الإصغاء بِحكمة هي الطّريقة الوحيدة لنفهم إجابته ونعمل بها .
ثانياً ، إحدى إجابات الله كانت ” لا تقتُل “، ألَم يُكتَب أيضاً : ” أحبِب قريبكَ كَنفسِكَ ؟ ”
إستطراداً ، لو قام الله بأفعالٍ و تكلّم بأقوالٍ تتعارض مع تفاسير هؤلاء له ، هل يتقبّلوه؟ أو يرجموه بالحجارة لأنّه خالف منطِقهم؟
بناءً على ذلك ، يمكنني أن أجزم أنّ حتّى لو تفتّحت السّموات و ظهر الله في ملء مجده و صارت أصابع النّاس تدلّ عليه و صرخ بصوتٍ عظيم :
” لا تقتلوهم ! ”
لكانوا كفرّوه و استمروا بسفك دماء بعضهم البعض، لأنّ حواسهم كلّها منشغلة بالمعركة التي لا صوت يعلو على صوتها..
فَيا أيّها المتسائل، عن غياب من تسأل ؟! عن من تبحث ؟!
الله الذّي لم و لا و لن يدعي إلّا محبةً و سلاماً لجميع أبنائِه، أم الإنسان الذّي يُريد حَرباً و دَماراً و قَتلاً و كلّ ما هوَ غريبٌ عنِ الله ؟
ثالثاً ، أطفال غزّة البريئين…أين الله؟
الله الذّي أُخبرُكم عنه…أهو جالسٌ على عرشه بعيداً عن ما يحصل معنا؟ أيَشعُر بنا؟! بالأُمّهات و الأباء؟ بالضحايا و القتلى؟ هذه الأمور كانت تحدث منذ القديم… أين الله مِنها؟
بحسب المنطق الإنسانيّ ، على الله أن بلبِس ” الجعبة ” و يحمِل سلاحاً ليُقاتل كل من يقتل الأبرياء… لكنّ، إذا فعل ذلك ،أيّ نوع إله يكون؟ّ
إله قتلٍ؟ إله يُنصر أخ على أخاه؟
إله حربٍ ؟
إذا كان هذا ما تبحثون عنه فإنّ آلهة الحرب موجودون على الجبهات!
قدّموا لهم البخورَ و الذبائح لَعلّهم ينصرونكم!
لكنّ ، كيف سيعرف الله في أعلاه شعورنا إن لم يكن كما نحن هنا في الأسفل ؟ كيف سيفهم ما نصلّي من أجله إن لم يشعر بنا؟
الإنسان يريدُ إلهاً لا يشعُر بِهِ فقط ، بل مَعَهُ أيضاً… لينهَمر بالبكاء عندما يكون حزيناً ، ليبتهج فرحاً عندما يكون سعيداً ، لينقهِر قهراً ، لينجرِح جرحاً ، ليُعذّب تعذيباً.
ليتألمّ ألماً…ليموت موتاً، و بعد ذالك ، ليَقُم قيامةً ينتصر بها على الموت!
يا أيّها المتسائل !
لم يعُد السؤال لماذا لم يتدخّل الله في حرب غزّة… فهو موجود هناك و لم يكن على أرضٍ في الكون كما كان هناك !
و لكلّ ديانة رمز لله هناك ! كنيسة القيامة ، المسجد الأقصى ، حائط المبكى…
فكيف تكون هذه الأرض تحديداً غريبةً عنه؟!
أرض مهد الدّيانات حطّمت كل خطوط التواصل مع الله وابتعدت عنه.
ما يحصل من حروب على يد الإنسان ، لا يعني أن الله غائب ،
بل أنّ الإنسان غائب عن الله…
فأصبحَ السّؤال :
متى يعود الانسان إلى الله ؟