كتب ريشار حرفوش في “نداء الوطن”:
دخلت الحرب الدائرة جنوباً شهرها الخامس، وحال الميدان إلى مزيد من التّصعيد، خصوصاً بعدما بلغت الضربات الإسرائيلية تارةً الضاحية الجنوبية لبيروت وطوراً بعض قرى قضاء الشوف، وليس آخرها ما حصل ليل الإثنين من استهداف لمنطقة الغازية في صيدا.
تدهور الأوضاع الميدانية، انعكس سلباً على طلاب مدارس الجنوب وخصوصاً من ينتظرون استحقاق الامتحانات الرسمية، حيث لا يزال مصيرهم مجهولاً.
طلاب “العلم” باتوا بلا “علم”، أو مع علم متقطّع “أونلاين” (عن بعد)، نتيجة إقفال العدد الأكبر من المدارس والمعاهد خصوصاً في قرى الخط الأزرق، وسط إصرارٍ من وزارة التربية والتعليم العالي على إجراء الامتحانات الرسمية بالمجمل ولو مع بعض التعديلات، وهذا ما أوضحه وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي في حديثه مع “نداء الوطن”، بحيث قال: “لن ألغي الامتحانات الرسمية، وسنبحث في الأسابيع المقبلة عن مخرج خاص بتلامذة الجنوب”.
الحلبي: امتحانات Special لطلاب الجنوب!
وطمأن، قائلاً: “خوف طلاب الجنوب على عامهم الدراسي مشروع، ومنذ بداية الأحداث جنوباً نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة كان هاجسنا استمرار العملية التعليميّة والتي يتطلّب استمرارها متابعة من قبل الوزارة وتجاوباً من الأساتذة والأهالي والطلاب، ولهذا السبب فتحنا 10 مراكز استجابة في مناطق آمنة لأن هناك عدداً كبيراً من العائلات التي اجبرت الى النزوح من قراها، وفتحنا 10 مراكز أيضاً للتعليم المهني في مراكز أكثر أماناً جنوباً”.
وتابع: “هناك عدد كبير من الطلاب التحقوا بهذه المراكز الموقتة، ومنحنا الطلاب حرّية اختيار المدرسة الأقرب لمكان انتقاله (أي حيث يسكن موقتاً)، لكن هناك عدد من الطلاب عمد الى البقاء في قريته كما حصل مع طلاب بلدة رميش الحدوديّة حيث سمحنا لـ 1500 طالب بالتعلّم عن بعد”.
واستطرد الحلبي: “لنجاح هذه العملية تواصلنا مع عدد من المسؤولين والجهات المانحة لتأمين الكهرباء والبنى التحتية والاتصالات والإنترنت وقمنا بتأمين بعض الحاجات، فوزّعنا 3200 جهاز حاسوب للأساتذة، وأمّنّا 3000 جهاز “تابلت” للطلاب، مع توفير تدريب مكثّف للأساتذة (حول التعليم عن بعد) بالتنسيق مع المركز التربوي للبحوث والإنماء، والمكتب الإقليمي للـUNESCO”.
وعن ضعف الاتصالات والانترنت جنوباً، كشف الحلبي أنّه تواصل مع وزير الاتصالات جوني القرم و”سيتمّ تأمين باقات انترنت خاصة بطلاب الحنوب قريباً عبر شركتي الخلوي الفا وتاتش”.
ورداً على سؤال بشأن مصير الشهادات الرسمية لطلاب الجنوب، قال الحلبي: “نحن سنأخذ بعين الاعتبار الضغط النفسي والخوف الذي يعيشه طلاب الجنوب والأساتذة والأهالي الذين يمرّون بظروف لا تسمح بالتعامل معهم وفق المعايير الطبيعية، لذلك ندرس الموضوع جدياً لمعاملتهم بشكل استثنائيّ، لكي لا نحرمهم من الامتحانات ولا نظلمهم بامتحانات عادية كما باقي المناطق”.
وتابع: “من المرجح أن تقام دورة استثنائية خاصة بطلاب الجنوب للشهادة الثانوية بكل فروعها”.
وعن فرضية إلغاء عدد من المواد أو تقليصها، ردّ بشكل مقتضب: “المركز التربوي يدرس كل الاحتمالات بالتعاون مع المديرية العامة للتربية مع الأخذ بعين الاعتبار المناهج”.
ولم يخفِ وزير التربية والتعليم العالي فرضية إلغاء الشهادة المتوسطة بدورتيها العادية الأولى والثانية، بشكل استثنائي هذا العام، لكن الشهادة الثانوية والمهنية بنظر الحلبي هي أكثر من ضروريّة للطلاب، قائلاً: “لا يمكننا عدم إجرائها، كونها أساسية لانتقال الطلاب من المرحلة الثانوية لمرحلة التعليم العالي”.
من جهته، أعلن المدير العام لوزارة التربية والتعليم العالي عماد الأشقر لـ “نداء الوطن” أن “موضوع الامتحانات الرسمية يدرس في أروقة إدارة الوزارة، بتوجيهات من وزير التربية عباس الحلبي”.
وشرح التقسيم من منظار وزارة التربية والتعليم العالي: “شهادة التاسع الأساسي (أي الشهادة المتوسطة) في مكان والشهادات الرسمية الأخرى في مكانٍ آخر، وهناك فرضية ألا تقام شهادة الـBrevet إذا استبدلت بموضوع آخر، ولا يجب في هذا الصدد تحديداً أن نستبق ما سيصدر قريباً عن وزارة التربية، أما في ما خص الشهادة الثانوية فهي قائمة بشكلٍ مؤكد من دون أي تقليص للمواد”.
وتابع: “بالنسبة للتوجه العام، لا توجّه لدى وزارة التربية لترك الحريّة لدى طلاب الثانوي بوضع بعض المواد الاختيارية كما حصل في احدى السنوات الماضية، أمّا لطلاب الجنوب فهناك عناية خاصة بهم، فبإمكان الوزارة مثلاً تقليص عدد الـChapters المطلوبة لبعض المواد التعليمية، كما حصل أثناء حرب مخيم نهر البارد، أو خلال أحداث عبرا، وهذا الموضوع ليس بالأمر الجديد على وزارة التربية”.
أضاف: “المهم اليوم يكمن بالوصول الى نهاية العام الدراسي بأقل ضرر ممكن، وسنعمل جاهدين بالتنسيق مع الاطراف المعنيّة كافة لتأمين ظروف أفضل للتعلّم عن بعد لطلاب الجنوب وذلك مع مراكز الاستجابة”، جازماً: “لن تتعامل وزارة التربية معهم كما مع باقي طلاب لبنان”.
ورداً على سؤال، أجاب: “يمكن أن يكون هناك مواد اختيارية للشهادة الثانوية لطلاب الجنوب حصراً، والأسبوع المقبل سنبحث مصير الشهادة المتوسطة وكل الملفات”.
وختم: “سيكون لطلاب الجنوب امتحانات خاصة”.
على صعيد متّصل، أعلن الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر أن “التعليم في المدارس الجنوبيّة Online، ولاسيما الخاصة منها، كون لا قدرة للمدارس على فتح أبوابها نتيجة الظرف الأمني الاستثنائي، ولكن هذه الاوضاع تؤثر كثيراً على الطلاب وعلى قدرتهم على متابعة صفوفهم، وهم بحالة غير طبيعية تستدعي أن تكون هناك جلسات حوار لبحث السبل الأنسب لهؤلاء الطلاب، خصوصاً أننا قطعنا منتصف العام الدراسي”.
وتابع: “يجب البحث في الحلول العملية لطلاب الشهادات الرسمية بكثير من الترويّ، وصحة أهالينا وطلابنا وأساتذتنا أولوية”.
ورداً على سؤال “نداء الوطن”، عن توصيات من قبل المدارس الخاصة لوزارة التربية حول طلاب الشهادات الرسميّة، أجاب: “ستكون هناك تدابير استثنائية لهؤلاء الطلاب، ونحن بانتظار البت النهائي من قبل الوزارة”.
وختم: “يجب وضع استراتيجية خاصة بطلاب الجنوب حتى لا نحرمهم من شهاداتهم”.
وعلّق الأستاذ في التعليم المهني في الجنوب غابي الحاج على بعض التوصيات التربوية، قائلاً: “الخطوات جيّدة لطلاب الجنوب الذين خسروا قسماً كبيراً من الوقت والمواد التعليميّة نتيجة القصف الحاصل”.
وتابع: “المشكلة لا تكمن بإلغاء تقديم الامتحانات الرسميّة أو تسهيله جراء إلغاء بعض المواد إنما هؤلاء الطلاب سيعانون في حياتهم الجامعية والمهنية نتيجة عدم تمكنهم من اكتساب كل مضمون المنهج المطلوب، فوحدهم الطلاب يدفعون ثمن تواجدهم في مناطق حدوديّة”.
وسأل الحاج: “إذا استمر القصف وتوسعت رقعة الحرب أين ستجرى الامتحانات الرسمية لهؤلاء الطلاب في الجنوب ومن سيؤمن لهم المواصلات؟”.
ولطلاّب الجنوب رأي مختلف، بحيث تواصلت “نداء الوطن” مع الطالبة نداء أبو همين التي قالت: “نحن نعيش حالة رعب وقلق نتيجة القصف اليوميّ بين المنازل الامر الذي لديه انعكاسات نفسية علينا كطلاب”.
وأردفت: “نحن كطلاب جنوبيين بالمجمل نعاني نفسياً الكثير، وكطلاب شهادات رسميّة معاناتنا أكثر ووجعنا أكبر لأن مصيرنا لا يزال حتى هذه الساعة مجهولاً، ومن حقنا أن نعرف ما هو تصوّر وزارة التربية لنا”.
أضافت: “أنا طالبة ثانوية في مدرسة مرجعيون الوطنيّة وباسم زملائي أرفع صوتي لمعالي وزير التربية لبتّ مصيرنا تجنّباً لمعاملتنا كباقي الطلاب بالامتحانات وبتصليحها”.
واستطردت: “نعاني الكثير نتيجة ضعف شبكة الإنترنت في عدد كبير من البلدات الحدودية وانقطاع التيار الكهربائي وتقنين المولّدات الخاصة، وهذه عيّنة من المشاكل اليوميّة التي يواجهها الطالب أثناء التعلّم عن بعد”.
وختمت: “هناك صعوبة كبيرة لاكتساب المعلومات عبر الأونلاين، والحضوري دائماً أفضل من أي سبيل آخر، وقد اجبرنا مراراً على ترك صفوفنا نتيجة القصف المتقطّع على القرى التي يسكن فيها غالبيتنا، فأوضاعنا غير مستقرة ونحن نخاف على مستقبلنا الذي خططنا له منذ طفولتنا، ونحن بحاجة لعدد كبير من التطمينات”.
مصادر وزارة التربية أكدت من جهتها، عبر “نداء الوطن” أنه “سيتم رفع مراكز الاستجابة في الجنوب اللبناني من 20 الى أكثر من 30 مركزاً في الأسابيع القليلة المقبلة”.
إلغاء شهادة الـBrevet هذه السنة
من جهتها، أعلنت مصادر تربوية متابعة ألا قدرة على ضبط الطلاب المسجلين حصراً في الجنوب اللبناني، وسألت: “هل الاستثناء سيكون حصراً لتلامذة مدارس القرى الحدوديّة؟ أم جنوب لبنان بالمجمل؟”.
وأردفت المصادر: “من المرجح أن تعلن وزارة التربية إلغاء شهادة الـBrevet هذه السنة، وستكون هناك دورة استثنائية للشهادة الثانوية بفروعها كلها، وكذلك الأمر بالنسبة للشهادة المهنية”.
وختمت المصادر: “ستؤمن وزارة التربية مراكز أخرى في مناطق آمنة للطلاب لإجراء الامتحانات الثانوية والمهنية على أن تحدّد في وقت لاحق بعد اتّضاح الآلية التي ستعتمد مع تأمين المواصلات من بعض الجهات”.
إذاً، مستقبل طلاب الجنوب يترنّح، ومصير أكثر من 7000 تلميذ على المحكّ… فهل تحمل الأيام المقبلة أي أجوبة شافية تنهي حالة الضياع والفوضى التي يعيشونها؟