تتأثر حياتنا بشكل كبير على نوعية الأفكار التي تغذيها. وفي عالمنا اليوم يبرز أهمية الفكر العربي بشكل لافت في تحقيق التنمية المستدامة، ويعتبر محوراً أساسياً ذلك لانه الثروة الحقيقية والابداع لامتنا يكمن في وجود المفكرين وابرازهم.
نرتكز على الفكر كونه يُولِّد نوراً الذي يُضفي حياة على البشر، ومن خلاله تستمد الشعوب الاصرار والعزيمة على التقدم بخطوات ثابتة نحو نسج مستقبل مزدهر. وفي سعي المجتمعات نحو الاستقرار والازدهار، يتجه الكثيرون للبحث عن الثروات الأرضية، متجاهلين غالباً دور الفكر وأهميته في تحقيق التطور.
المفكر هو الإنسان الحر، والحرية التي يمنحها الفكر تعزز نمو الفرد والمجتمعات.
هل يخوض الفكر معارك؟ نعم! ويُحارب؟ نعم! وفي أوقات النزاعات والحروب، يُهاجم عادة الفكر الراسخ والحقيقة، ويُحاول أن يتم استئصالهما. وفي أوقات النزاعات والحروب أول ما تقتل هي الحقيقة. ومع كل ذلك ندرك بأنه لا سيطرة لاي سلاح على الفكر، فقوة الفكر تُعادل كل الأسلحة مهما تطورت.
هذه الحقيقة بالذات يجب أن تَمنح الثقة لقوة تجميع المفكرين. المفكر هو من يُدافع عن العدالة… ليس بالضرورة أن تتحقق العدالة تماماً، ولكن وجود المفكرين كمجموعة، كاف للدفاع عن العدالة وجعل الحقيقة تبقى قائمة.
النخب الفكرية مهمة لانها تشكل صرحًا حيويًا. وتشارك الافكار ضرورياً، لانه يسهم في إثراء الحوار الفكري وتعزيز الابتكار والتطور من جهة، وابتكار حلول للتحديات الاجتماعية والاقتصادية من جهة أخرى، ولانه يسهم في تعزيز فكرة التنمية المستدامة وفي القناعة بها، ومن ثم التأثير لتحقيقها ولتطبيقها على أرض الواقع.
لذا يتوجب العمل على تشجيع لقاءات النخبة المفكرة، وتهيء المناخ المناسب لتجمعهم على المستويين المحلي والعربي بتوفير مراكز للفكر العربي تماما كما هو متوفر في جامعة الدول العربية، هذا وبالاضافة الى العمل على ترسيخ الثقة بأن تجمع النخبة المفكرة للحوار حول أهداف التنمية المستدامة يساعد في توجيه السياسات، واتخاذ القرارات المناسبة والضرورية لتحيق هذه الاهداف كون يتمتع أعضاء النخبة المفكرة بخبرة واسعة من خلال التخصصات المتعددة، الامر الذي يسهم في تقديم مشورة مستنيرة هدفها دفع المجتمعات الى التقدم والازدهار.
لاستدامة أهداف التنمية يجب أن يكون الفكر صوته عالياً وثابتاً، وأن تكون مساحة انتشاره واسعة في المجتمعات، لينشر صداه وتأثيره الإيجابي العميق، فالشخص الذي يُرافق المفكر يصبح مفكراً، تماماً كما الذي يساير الحكيم يصير حكيماً.
وهذا هو الفيصل بين الشخص المفكر والعاقل من جهة، والانسان العاق في محيطنا ومجتمعاتنا من جهة اخرى. فبينما كلاهما يمارسان الحرية على أنها حق. يدرك العاقل على أهمية الحرية من خلال تطبيق المنظومة الاخلاقية، ويعي بأنه لولا الحرية الاخلاقية لاصبحنا عبيداً لشهواتها ونزواتنا، ووقتها يسهل التحكم بِنَا.
أما العاق في محيطنا، قد يفهم الحرية على أنها فرصة لتحقيق رغباته الشخصية، فأفكاره عادة تكون محدودة في اُطر ضيقة مما قد يجعله عبدًا لشهواته منغمساً في نزواته دون أي اعتبار لمنظومة القيم الاخلاقية، فالقيم النبيلة كالحقيقة، والصلاح، والعدل، تكون غريبة عنه. الشخص العاق لا هوية حقيقية له، يشبه الكرة تتقاذفه أنواع متعددة من التيارات المختلفة منها المادية والسياسية وسواها.
ففي مسيرة النضج والنمو- النمو العقلي والروحي – لاني على قناعة تامة بأن لا نمو عقلي وفكري إلا إذا صحبه نمو روحي “لان فيه نحيا ونتحرك” ولان في تلاحمهما تكمن القوة التي تدفعنا إلى الحياة والتقدم، وفي مسيرة الصعود هذه، لا بد وأن نواجه صعوبات وتحديات وأن نقع ! ونرى البعض يفشلون. يستسلمون لانهم يرون بالسقوط فشلاً وذريعةً للسير إلى الخلف. بينما السقوط ليس بالضرورة أن تكون علامة الفشل إلا للضعيف ومن أعمي الكبرياء عيونهم. لان الجعالة – المكافئة – هي للفاهم والمدرك وللذين يتعلمون من تجاربهم ويعتبرون السقوط فرصة لتحسين أنفسهم.
وفي سباق الحياة اليومي يحقق البعض تقدماً أكبر من الاخرين، وهذا يعود إلى أن أي تقدم وأي إنجاز هو فكرة تعتمد على الفهم والتقدير الشخصي، فما يراه شخص إنجازاً عظيماً، قد يراه شخص آخر على أنه خطوة بسيطة. بالنتيجة، كلنا نسعى في هذه الحياة. كلنا نحب السعادة، ونشتهي الضحك، ونجد في البحث عنهما. وكلنا نحمل هموماً قد تختلف – تكبر أو تصغر- إنما تبقى هموماً وثقلاً على كاهلنا. ولكن الاهم هي أننا جميعنا بحاجة إلى بعضنا البعض. لذا، تحويل أفكارنا إلى أفعال إيجابية مع إمكانية أن نترك بصمة إيجابية في نفوس من نقابلهم، التي تكون نتيجتها هو تطور المجتمعات ونشر الوئام بين الناس، نكون قد وصلنا إلى السلام الداخلي، وفهمنا قوة الفكرة في تطوير النفس والمجتمعات. وهنا تكمن أهمية الفكر في
تحقيق أهداف تسعى لحماية الافراد وبناء مستقبل مشرق، والتأكد من استدامتها.
نعيش حالة من الحرب الفكرية غير التقليدية وغير المسبوقة سببها التطور التكنولوجي السريع. من مخرجاتها زعزعة النفوس وبالتالي المجتمعات، وتغيير الانماط الفكرية الطبيعية لدى الافراد واضعافها. مواجة هذه الانماط الفكرية الجديدة لا تكون بالطرق التقليدية. لمواجهتها، يتحتم علينا أولاً التنبه بأن المستهدف هو الفكر والروح، لذا المواجهة تكمن بالقوة الفكرية والادراك والمعرفة، ومواكبة التطور التكنولوجي، والوعي الذاتي بأهمية رفض كل ما يزعزع ويشتت ويُفرق النسيج المجتمعي، وبالمقابل العمل على نشر روح المحبة والتقارب، مع التذكير بتاريخنا العريق الذي يجمعنا ونفتخر به.
أهمية الفكرة تكمن في تبنيها وانتشارها. ومن هنا تأتي أهمية مراكز الفكر العربي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. مشاركة الأفكار بعمق ووضوح تجعل منها قانوناً ثابتاً تستمد منه المجتمعات مسيرتها، مع ابتكار وسائل لنشر الفكر العربي الذي تتناول غايته الأساسية التطوير ونشر السلام، وقتها فقط نتمكن من أن نكبل الجهل ونحصر الجُهال. من بين السبل المُستخدمة لتعزيز الفكرة هي عدم تقييدها أو حصرها بين نخبة المفكرين، بل التأكد من أتنشارها بالتواصل مع جميع فئات المجتمع، لاسيما النساء والشباب. المرأة لانها تعدُّ عاموداً أساسياً في بنية المجتمع، ولان الحرية الحقيقية للمرأة هي حرية الفكر الذي يأتي من توسيع المدارك من خلال التركيز على التعليم والتثقيف، ومنح المرأة الثقة لأهمية دورها في بناء المجتمع، وبأن المجتمعات تنمو وتتطور من خلال التربية والتنشئة السليمة.
والشباب من جهة أخرى، لانهم قادة المستقبل. لذا قبل تفعيل دورهم وتشجيعهم على المشاركة الفعّالة في تطوير المجتمع، يتعين علينا توجيه الشباب نحو القيم الإيجابية وتعزيز ثقافتهم العلمية والعملية ومهاراتهم القيادية لضمان بناء مستقبل مزدهر. كما ولابد من إشراك المجتمع المدني في عملية القرار لتحقيق هذه أهداف التنمية المستدامة.
فالنتحذر من خطر فوضى الافكار التي تنتشر في العالم الافتراضي، والتي جذبت العديد من الأشخاص من كافة الأعمار والخلفيات. لانه عندما نتسامح مع هذه الفوضى ونقبل عدم منطقها، الخوف بأنها قد تتحول إلى نظام ثابت، ووقتها يسود الجنون.
نتكلم عن النهضة المجتمعية بكثافة، لان كل المشاريع التي تسعى للنهوض، هي بالحقيقة مشاريع إنسانية قبل أن تكون إقتصادية أو إجتماعية أو ثقافية، وعلى رأس هذه المشاريع هي النهضة الفكرية .
في نهاية المطاف، تقوم المجتمعات وتتقدم على النضج الفكري لأفرادها، فتكون مجتمعات حرة ومستقلة إذا كان أساسها العلم والثقافة والمعرفة الثابتة والمتينة، ومن ثم تتقدم وتزدهر. عكس ذلك تكون النتيجة كارثية فننغلق على أنفسنا ونُستعبد دون أن ندرك، وإن حصل وأدركنا، لن يهمنا وتكون اللامبالاة معشعشة في الفكر، وتتمكن منا.