كتبت راكيل عتيّق في “نداء الوطن”:
لم يعد لبنان يخرج من أزمة ليدخل في أخرى، بل باتت الأزمات تتناسل وتتزامن وتتقاطع من دون إيجاد حلّ لأيٍّ منها، خصوصاً بعد انفجار الأزمة المالية – الاقتصادية عام 2019. مرّ على الشغور في كرسي الرئاسة الأولى عام ونحو شهرين، ولا يلوح في الأفق ضوء لنهاية هذا النفق قريباً، بعدما باتت الاهتمامات المحلية والإقليمية والدولية مركّزة على الحرب في قطاع غزة والمناوشات جنوب لبنان التي يُخشى من أن تتمدّد وتتوسّع. وربطاً بأنّ موقع رئاسة الجمهورية مُخصّص عرفاً للمسيحيين وللموارنة تحديداً، يطرح البعض فكرة أن تستدعي حاضرة الفاتيكان القادة السياسيين ولا سيّما المسيحيين منهم، لبحث الملف اللبناني معهم وتحديداً الملف الرئاسي.
المسيحيون، حتى الآن، متفقون رئاسياً، ولا يزال مرشح أكبر كتلتين مسيحيتين هو الوزير الأسبق جهاد أزعور، ولا يزال حزب «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» يرفضان انتخاب مرشح «الثنائي الشيعي» رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. وبالتالي فإنّ حجّة «اختلاف المسيحيين» ساقطة، لكن هناك أفرقاء آخرون يتجاوزون الإرادة المسيحية رئاسياً. أمّا في الملفات الأخرى، من السلاح إلى قيادة الجيش إلى الإصلاحات وتأليف الحكومات وغيرها، فللبطريركية المارونية مواقف واضحة من هذه الملفات كلّها، ويجري تجاوزها.
هذه التفاصيل لا تدخل فيها الفاتيكان أساساً، فهذه ليست طريقة عملها، وهي تعتبر أنّها شؤون لبنانية داخلية. الحبر الأعظم وجميع المسؤولين في الفاتيكان يعنيهم لبنان دولةً وشعباً ورسالة، وهو ضمن «الأوليات» الفاتيكانية على نحوٍ دائم ومستمرّ وليس في ظرف معيّن أو تبعاً لتوقيت أو محطة ما. لكن لا مبادرة فاتيكانية خاصة بالملف اللبناني عامة أو الرئاسي تحديداً. لا استدعاء لمسؤولين أو سياسيين لبنانيين لا سيّما المسيحيين منهم إلى حاضرة الفاتيكان، وليس على جدول الزيارات توقيت مُحدّد لزيارة لبنان كما ليس ضمن روزنامة استقبالات البابا فرنسيس موعد لشخصية لبنانية، على الرغم من أنّ أبواب روما مفتوحة لمن يطرقها من المسؤولين، بحسب البروتوكول. هذه طريقة عمل الحبر الأعظم والديبلوماسية الفاتيكانية، غير أنّ هذا لا يعني «ترك» لبنان يتخبّط وسط أمواج من الأزمات. ولا تتدخّل الفاتيكان في أي انتخابات في أي دولة في العالم، ومنها لبنان، وتؤثر عدم استقبال أي مسؤول أو شخصية سياسية أو وفود لها علاقة بالانتخابات. وفي مثال على ذلك، رفض البابا فرنسيس استقبال وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، الذي زار روما في أيلول 2020 ضمن جولة أوروبية، لأنّ «مثل هذا اللقاء ربما كان سيُفسّر كمحاولة لاستخدام شخص البابا في سياق الحملة الانتخابية الرئاسية المحتدمة في الولايات المتحدة»، كما أعلن وزير خارجية الفاتيكان حينها.
وبالتالي إنّ ما يُطرح في لبنان، عن استدعاء الفاتيكان سياسيين مسيحيين، لا أساس له، وليس مطروحاً لدى قداسة البابا، بحسب ما تؤكد مصادر على صلة بالدوائر الفاتيكانية. لكن هذا لا يعني أنّ الفاتيكان لا تعمل على إنجاز الانتخابات الرئاسية، فالفاتيكان مهتمة بلبنان ومتابعة لشؤونه بمعزل عمّا يحصل في أي بلد آخر، سواء في أوكرانيا أم غزة. فالاهتمام بهذا الملف قائم ودائم بمعزل عن أي موضوع آخر. لكن في الوقت نفسه، هناك حدود لما تستطيع الفاتيكان أن تفعله للبنان، ولا يُمكنها أن تحلّ مكان اللبنانيين. وتتركّز جهودها الآن على عدم حصول حرب كبيرة في لبنان بسبب الأوضاع في المنطقة ونتيجة الحرب في قطاع غزة، أمّا في المواضيع الداخلية فيهمّ الفاتيكان أن يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت. وكان المسؤولون في الفاتيكان يتابعون هذا الملف، منذ ما قبل «طوفان الأقصى»، مع الدول كلّها المعنية بالشأن اللبناني، ولا سيما منها فرنسا، للدفع في اتجاه انتخاب رئيس.
تُعتبر الفاتيكان الدولة الوحيدة في العالم التي تهتمّ بـ»بلد الأرز» وتتابع شؤونه من دون أي مقابل أو مصلحة، ويجري المسؤولون في الفاتيكان اتصالاتهم على هذا المستوى، لكن من دون إعلان، بحسب المصادر نفسها. الفاتيكان ورغم مدّها يد المساعدة للبنان من دون توقُّف، تعتبر أنّ الكرة في ملعب اللبنانيين أكثر من أي طرف آخر. وفي ما يُطرح عن تطبيق القرار 1701 أو تعديله وغيرها من الطروحات لتجنيب لبنان الحرب مع إسرائيل، لا تدخل الفاتيكان في هذه التفاصيل، فيما تُبلغ الدول المعنية كلّها ضرورة منع حصول حرب في لبنان وأن يُصار إلى تسوية تؤمّن الاستقرار والسلام في هذا البلد.