قبل دخول العدوان الاسرائيلي على غزة شهره الأول، أطل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس في خطاب وصف ب”خطاب اللحظة”،وإن كان الغموض المتعمد اكتنفه في جوانب متعددة بهدف بث المزيد من الذعر والقلق في صفوف الإسرائيليين والاميركيين أيضاً. قدم السيد نصر الله شرحاً متسلسلاً لواقع الاحداث منذ 7 عملية طوفان الاقصى مروراً بالعدوان الاسرائيلي المتواصل على قطاع غزة والمجازر التي ترتكب بحق المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وصولاً إلى الدعم الغربي لا سيما الاميركي لإسرائيل في حربها الهمجية.
ركز السيد نصر الله في حديثه على موقف الحزب، فحدد المسؤوليات وتحدث عن الأُفق، أما في ما خص لبنان وكيفية التعاطي مع العدوان ومع تطورات الجنوب فترك السيد نصر الله تفنيد المشهد إلى اطلالته المرتقبة في 11 من تشرين الحالي (يوم الشهيد)، والتي سيركز خلالها على المسار الجديد لعمل المقاومة ربطاً بمتطلبات المرحلة وتطورات غزة، خاصة وان ثمة معلومات تشير إلى أن العدوان الاسرائيلي قد يتوقف قبل القمة العربية الطارئة التي ستعقد في 11 الجاري في الرياض.
ويرى الاستاذ الجامعي والخبير في الشؤون الدولية طارق عبود أن خطاب السيد نصرالله أمس كان خطابًا تاريخيًا،في مرحلة حرجة في المنطقة والعالم، ولكنه كان خطابًا دقيقًا، الكلمة فيه كانت محسوبة بدقة متناهية، فابتعد فيه عن الانفعالات التي تصيب كثيرًا من القادة في ظروف مماثلة، وركّز على مضمون الرسائل التي أرسلها في اتجاهات أربعة.
في الاتجاه الداخلي اللبناني، كان واضحًا بأننا لن نكتفي بما يجري حالياً على الحدود مع فلسطين المحتلة، ويجب أن نكون جاهزين لكل الاحتمالات والفرضيات المقبلة وأن الجبهة اللبنانية جبهة تضامن ومساندة لقطاع غزة.وأننا دخلنا الحرب منذ اليوم الثاني لبدايتها وأن الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة قد تشهد حرباً واسعة. أما في الاتجاه الفلسطيني فأكد حتمية انتصار غزة والمقاومة،ولكن المعركة تحتاج إلى صبر، فضلاً عن أنه مجموعة من الأولويات أبرزها وقف العدوان وانتصار غزة وقال إنها أولوية رئيسية. أما في الاتجاه الاسرائيلي، فقال إن المقاومة تخوض حربًا على الحبهة الجنوبية مع العدو الذي سخّر لها نصف دفاعه الصاروخي ونحو ثلث القوات الإسرائيلية اللوجستية الموجه ناحية لبنان.
ولكن الرسالة الأهم كانت للادارة الأميركيةالتي حمّلها مسؤولية الأوضاع في غزة والمسؤولية الاميركية المباشرة عن القتل، لأنها تمنع إدانة إسرائيل في مجلس الأمن.وهي من تمنع وقف إطلاق النار في غزة وهي المسؤول الأول عن كل المجازر في المنطقة.
أما مدير “المركز اللبناني للابحاث والاستشارات”حسان القطب فيعتبر في حديث لـ”لبنان24” أن حملة اعلامية واسعة سبقت خطاب السيد نصرالله بالامس، ولذلك كان من المفترض أن يتضمن نقاطا ومواقف وربما قرارات حساسة ومهمة للغاية، لكن ما جرى هو العكس تماماً فقد جاءت الكلمة التي ألقاها متواضعة، وغير متماسكة، ولم تتضمن أي موقف قد تهتز له المنطقة. ومن المعلوم،وفق القطب، أن خطابات السيد نصرالله يتم تحضيرها من قبل فريق إعلامي وسياسي، بحيث تأتي كلمته متناسقة ومتماسكة شكلاً ومضموناً، وتتوافق مع استراتيجية حزب الله السياسية والعسكرية، وتستثير جمهور الحزب إيجاباً وتغيظ الخصوم وتقلق الاعداء.
بالنسبة إلى القطب، فإن تأخير الخطاب، والحملة الإعلامية التي سبقت إطلالة السيد، استند إلى قراءة من فريق حزب الله الإعلامي- السياسي، بأن إسرائيل لن تستطيع الاستمرار في الحرب على غزة، لمدة أطول، والمفاوضات التي تجري في قطر، بين عدد من المسؤولين الاقليميين والدوليين ومن بينهم وزير خارجية إيران، لا بد أن تفضي إلى اتفاق على هدنة حتى لو كانت انسانية.. وبالتالي يأتي خطاب الأمين العام لحزب الله تتويجاً لنتيجة هذه المفاوضات، ويعلن مواقف تتناسب مع إعلان الهدنة ودور الحزب ومحور طهران في فرض معادلات جديدة على إسرائيل، أي كان من المفترض أن يكون خطاب نصرالله،إعلان نصر بعد غياب طال مدة شهر.. ولكن لم تجر الرياح بما يشتهيه هذا الفريق.
ويعتبر القطب أن رسائل السيد نصرالله السابقة التي رسمها له الفريق الاعلامي – السياسي، جعلته اسير مواقفه، وذلك حين أطلق شعار وحدة الساحات ومحذرا من الاستفراد بجبهة محددة، لان باقي الجبهات سوف تفتح على مصراعيها، لأن محور إيران متماسك من طهران إلى غزة مروراً باليمن والعراق وسوريا ولبنان طبعاً. لكن السيد نصر الله في كلمته أمس لم يثبت ذلك، عندما أعلن أن قرار المواجهة كان فلسطينياً حصراً، وأكد أن المناوشات مع جيش العدو الاسرائيلي في جنوب لبنان هي لتخفيف الضغط عن غزة.وبحسب القطب، تبين من سياق الكلمة أن محور المقاومة يستند إلى الفصائل العراقية واليمنية فقط، فقد غاب الدور السوري عن الكلمة.
لقد رفع السيد نصر الله، بحسب القطب، سقف مواجهته مع الولايات المتحدة مباشرةً فكانت معركة غزة تفصيلا بسيطا في معركة المواجهة ولا تستدعي تدخلاً سريعاً من قبل كل المحور، ومن إيران على وجه التحديد.
وبالتأكيد سوف يجري حزب الله، كما يتوقع مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات، جردة سريعة لكافة المواقف السياسية والحملات الاعلامية التي سبقت كلمة السيد نصرالله الاخيرة لإعادة تصويب مواقفه بحيث تكون أكثر تواضعاً، كما أن عليه مراجعة حجم وطبيعة علاقاته مع القوى والفصائل الفلسطينية في لبنان وغزة والضفة، حتى لا يتوقع قادة هذه الفصائل دعماً لا يستطيع حزب الله ومحوره تقديمه لهم.. فهو أكد في خطابه أنه لن يفتح معركة واسعة النطاق مع إسرائيل وسوف يكتفي بالمناوشات وإن كان قد حذر العدو من شن هجوم على لبنان،لأن الحزب سيكون على أهبة الاستعداد للرد.