“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
بات من الجائز القول إن محاولات التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون سقطت، أو أنها اصطدمت بجدار سميك. وعلى الأرجح، بات “القائد” في صورة أن حظوظ البقاء في اليرزة تتضاءل. ويسري كلام حول تأمين مخرج لائق له. ويقال إن “القائد” بات مدركاً للأمر، وإن المعركة الجارية في غزّة ليست في مصلحته، وإن متغيّرات وتحوّلات طرأت على مواقف العديد من المراجع بفعل ما يجري وتبعاته، وإن حظوظه في مشروع رئاسة الجمهورية ليست أفضل حالاً. وبات من الواضح أنه كلّما تقدّم الميدان، سواء جنوب البلاد أو في قطاع غزّة، كلما أعطى مؤشراً إضافياً على أن المواجهة مع الأميركيين في اتساع، وستطال شظاياها جبهات غير عسكرية.
أخذ يتراجع يومياً أي مؤشّر جدي لإحياء فكرة التمديد لقائد الجيش، أو طرحها وفق صِيَغ جديدة، لأن أكثر من طرف داخلي أصبح ضدها ويُعبّر عن موقفه بصراحة. وفي معلومات “ليبانون ديبايت”، إن جهات عملت على موضوع التمديد، وضعت أخيراً “القائد” في صورة صعوبة إمرار الملف، وإن مرجعيات سبق لها أن عبّرت أمامه عن استعدادها لدعم فكرة التمديد “متى كانت آخر الحلول”، أخذت تتملّص شيئاً فشيئاً من مواقفها لصالح آخر يدفع صوب تعيين قائد جديد للجيش.
وفهم أن “حزب الله” الذي انضمّ أخيراً إلى النقاشات، بات يعتبر أن الحلّ ليس في التمديد. وعلى الأرجح يرى أن مجريات المعركة العسكرية تدفع صوب التشدّد إزاء كل ما يطلبه الأميركيون. وفي اعتقاد البعض، أن الأميركيين “أذوا” قائد الجيش أكثر ممّا أفادوه حين جالت سفيرتهم في بيروت دوروثي شيا على السياسيين في لحظة حسّاسة تطلب دعماً علنياً وعملاً صريحاً في سبيل التمديد لقائد الجيش. وكانت “القوات اللبنانية” أول من وضع نفسه في مقدّمة المبادرين.
عملياً، الحزب أبلغ صراحةً سائليه أنه ليس مع فكرة التمديد لقائد الجيش، طالما أن هناك نصوصاً قانونية واضحة يمكن الرجوع إليها لتسيير شؤون الإدارة في الجيش. وفهم أن الحزب لا يُمانع أن يتولى (أن يُعيّن) ضابط درزي كرئيس للأركان إدارة الجيش، لكنه يقف عند هوية الشخص، ويُطالب بضمانات تحديداً في المسائل ذات الصلة بعلاقة الجيش مع المقاومة وأمور أخرى مرتبطة. وفي حال تعذّر ذلك، فلدى الحزب “خطة باء”. فلا يمانع من أن يتولى الضابط الأعلى رتبة منصب القائد في حال صدر التكليف عن وزير الدفاع بصفته “الوصي” على الجيش حين فراغ قيادته. وبذلك، يكون “الحزب” قد تقاطع مع “التيار الوطني الحرّ”، وأعاد تسليف النائب جبران باسيل الداعم للفكرة بقوة.
غير أن فكرة تولّي الضابط الأعلى رتبة الذي هو في المناسبة اللواء المتفرّغ في المجلس العسكري بيار صعب قيادة الجيش، جدلية في حدّ ذاتها. وقد برزت أخيراً علامات لا توحي بالرضى لا سيّما بين الضباط، إلى جانب ما يقال إنه “ضعف المادة القانونية” التي تُستخدم لتبرير الخطوة. لذلك، لجأ البعض إلى “مخضرمين” في مجال القانون لإجراء دراسات حول مدى قانونية خطوة كهذه، ومدى احتمال الطعن فيها من جانب متضررين أمام مجلس شورى الدولة.
على أي حال، وربطاً بالتطورات المتسارعة في الملف، فإن عدة تحوّلات سُجِّلت على هذا الصعيد أخيراً كان لها تأثير بالغ. فحين كان “حزب الله” قبل اندلاع الحرب وانخراطه في الجبهة يوحي بإيجابية إزاء تعيين رئيس للأركان، بات الآن يظهر بعض التشدد المرتبط بمطالبته بضمانات حيال الشخصية المرشحة لتولّي المنصب. تحديداً يريد من النائب وليد جنبلاط توفيرها بشكل شخصي. تحفّظ جنبلاط في بادئ الأمر ورفض هذا السلوك، قبل أن يتطور موقفه لاحقاً مع تطور موقف “الحزب”، ليعود ويبلغ “الحزب” أنه “لن يسير” في تسليم ضابط درزي قيادة الجيش. وفهم أن موقف جنبلاط جاء رداً على مطالب الحزب. ولزيادة التشويق، قرّر “البيك” تعميم موقفه خارج الدوائر السياسية وفي الإعلام، قبل أن يعود ويطرح فكرة بديلة قوامها التفاهم على “سلة”، أي تعيين قائد للجيش ورئيس للأركان
والشواغر في المجلس العسكري دفعة واحدة عملاً باللحظة الإستثنائية، ورجوع بعض القوى عن موقفهم في شأن رفض التعيين في مجلس الوزراء. وبقرارٍ منه، أصبح مشروع قانون النائبين بلال عبدالله وهادي أبو الحسن المقدّم بصيغة “العجلة”، والرامي إلى رفع سن تقاعد الضباط كافة مدة عامين، خارج التداول.
وعلى ما يبدو، بدأ خيار “السلّة” يسلك طريقه، أقلّه في المباحثات الجارية بعيداً عن الأضواء بين بعض القوى. ويتردّد أن استطلاعات تجريها مرجعيات أساسية لفهم مدى إمكانية الذهاب نحو هذا الخيار. ويبدو أن هناك إشارات إيجابية صدرت عن وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم تخدم هذه النظرية.
يحتاج هذا الأمر إلى توافق سياسي، يبدو أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، يعمل عليه بالتعاون مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، المنفتح على الحلول التي تعفي الجيش من أي “تجربة”. يبقى الأميركيون في الميدان. المطلعون يؤكدون أن واشنطن المُتفهِّمة لوضعية الجيش، لن يكون لديها أي مشكلة طالما أن “القائد” (أي قائد) محكومٌ بعلاقة معها.