كتب عقل العويط
(رسالة إلى الفرنسيّين ولِمَ لا إلى… اللبنانيّين)
بلا طول شرح: إذا كانت رئاسة الجمهوريّة هي هذه الرئاسة، فكلّ ما أتمنّاه، أنْ لا نحظى باحتمال انتخاب رئيسٍ في حزيران المقبل، على ما يوحي بذلك رئيس “سيّد نفسه”، ورهطٌ من المشتغلين في مطبخ الرئاسة لإنجاز الطبخة المسمومة.
فما دام اللبنانيّون، وفي مقدّمهم النوّاب، ووراءهم القوى والأحزاب السياسيّة، لا يستطيعون (أو لا يريدون) أنْ يأتوا برئيسٍ للجمهوريّة إلّا مفروضًا من خارج، أيًّا يكن هذا الخارج، ومن العواصم الإقليميّة والدوليّة، أيًّا تكن هذه العواصم، فالأجدى – صدِّقوني – أنْ لا ننعم بهذا الفتح الجليل، بل أن نبقى بلا رئاسةٍ وبلا رئيس.
إنّ رئيسًا يصل إلى السدّة، بهذه الطريقة، لن يُتاح له أن يحكم ولا أنْ يكون رئيسًا البتّة – ولو أراد -، ولن يستطيع أنْ يكون أمينًا على قسمه، وحارسًا للدستور، وساهرًا على حسن تطبيق القوانين، ولا سيّما لجهة الفصل بين السلطات الثلاث، ولاستقلال السلطة القضائيّة خصوصًا.
أقصد، إذا كان الرئيس المزمع “وصوله” سيصل من خلال هذه السمسرة الرخيصة المشهودة، مكبًّلًا بهذه الشروط والقيود، فأيّ رئيسٍ سيكون، وأيّ أثمانٍ ستُدفَع في مقابل انتخابه، ومسبقًا، وبمفاعيل مستقبليّة لاحقة، وعلى كلّ المستويات، وأيّ جمهوريّةٍ، وأيّ سيادةٍ، وأيّ… كرامات؟!
قبل ستّ سنوات، فُرِض علينا رئيسٌ للجمهوريّة من طريق “حزب الله” وحلفائه في الداخل وأسياده الخارجيّين، فـ”عشنا” في نعيمٍ جهنّميّ لا تضاهي شرورَه وأهوالًه عبقريّةُ أيِّ سينما قياميّة، وتلظّينا بنار المهانات المادّيّة والمعنويّة، وانشوينا بلهيب ألسنة الفقر والجوع والمرض والذلّ والقهر والرعب والإرهاب والقتل، طوال السنوات الستّ الفائتة، ولا تزال مفاعيل تلك الجهنّم تلسع مواجع أرواحنا وأرواح موتانا وشهدائنا وقوافل تهجير أبنائنا وأجيالنا الخلّاقة.
اليوم، يُراد لنا أنْ نعيد الكرّة، بـ”مواصفات” مختلفة، من عناصرها غير المشرّفة دخول “العالم الحرّ” وفي مقدّمه دولة الجمهوريّة الخامسة في فرنسا، على خطّ العربدة العلنيّة العارية من أيّ ورقة تين.
في السياسة لا بدّ من وعي الظروف والمعطيات والتعقيدات، والتعامل معها بحكمة وذكاء وحنكة و… شرف. لكنّ السياسة ليست شرمطة، ولا إبرام صفقاتٍ وعقود، ولا تنازلًا عن حقوقٍ وحدود، ولا بيع سياداتٍ وكرامات، ولا ترسيخ احتلالاتٍ ووصايات وانتدابات، ولا… شراء ذمم نوّاب، ولا بيع ذمم.
مثل هذه السياسة الانحطاطيّة السافلة، وهي هذه التي تدور رحى معاركها حاليًّا، تجعل السياسيّين (والنوّاب) داعرين وقوّادين ودمى ولحّيسي أقدام ومؤخّرات. وهي هذه السياسة، تحوّل هذه الجمهوريّة اللبنانيّة دولةً منتهكَة ومغتصبَة وبلا شرف، وبيتًا (شرعيًّا) رخيصًا للدعارة المحلّيّة والإقليميّة والدوليّة الجربانة المريضة الرخيصة النتنة النكراء.
شيءٌ ما، عاملٌ ما، ليس نافلًا البتّة، يتمثّل – يا للهول – في الانحطاط الأخلاقيّ والقيميّ والمعياريّ الذي انحدرت إليه الرئاسة الفرنسيّة. يجب أنْ يعلم الشعب الفرنسيّ أنّه لا يستحقّ هذا العار، ولا فرنسا تستحقّ.
وليصدّقني اللبنانيّون (ومَن يعنيهم كلامي من النوّاب والقوى السياسيّة): الأجدى أنْ نبقى بلا رئيس، أيًّا يكن هذا الرئيس، إذا كان هذا هو طريقه للوصول إلى القصر الجمهوريّ. علمًا أنّه يعود إليكم أيّها النوّاب، بالوكالة التي مُنِحتموها، وبالشرف (؟!) الذي تؤتَمَنون عليه، أنْ تنتخبوا رئيسًا “يُصنَع (أو يُطبَخ) في لبنان”.