بينما ضاعت بوصلة القطاع المصرفي الذي كان ولا زال يتخبّط لأسباب شتّى منذ سنوات، تتجه الأنظار نحو إعادة هيكلة المصارف، المرتبطة بقانون خاص قيد الدراسة في اللجان النيابية. من هنا، كثرت الأقاويل عن إعلان إفلاس بعض المصارف أو دمجها تحت عنوان إعادة الهيكلة، بالتزامن مع الحديث عن إعطاء تراخيص لمصارف جديدة، ومن بينها تلك الإلكترونية. فما هي هذه الأخيرة؟
وفي هذا الإطار، أوضح الخبير الإقتصادي باتريك مارديني في حديث لـ”لبنان 24″ أن المصرف الإلكتروني هو مصرف عادي كالمصارف التي يسيّر فيها المواطنون شؤونهم المالية، إلا أن الفرق هو أنه لا فرع حسّياً لديه.
آلية العمل بسيطة بالنسبة لكثيرين، إذ كشف مارديني أنه يتعيّن تحميل التطبيق الخاص بالمصرف الإلكتروني الذي من خلاله يتمكّن العملاء من فتح حساب لهم مثلاً، فيتأكّد المصرف من بيانات العميل من خلال بصمة العين أو الإصبع، مع كل ما يتيحه التقدم التكنولوجي له، وبعد انتهاء هذه العملية يصبح العميل قادراً على التصرف بحسابه بشكل عاديّ.
كما لفت إلى أن الرسوم في هذه الحالة أقل كلفة على العميل من المصرف التقليدي، وذلك لأن المصرف الالكتروني لا يتكبّد كلفة موظفين يعملون في مكاتب محددة.
إلى ذلك، لفت مارديني إلى موقف جمعية المصارف الذي لا يحبّذ تماماً المصارف الإلكترونية، منطلقاً من فكرة أن أولوية الجمعية هي معالجة الأزمة المصرفية الحالية، وبالتالي فإن دخول مصارف جديدة في هذا التوقيت يشكّل مخاوف لديها من منافسة المصارف التقليدية، ومن أن تستقطب عددا كبيرا من الزبائن ما سيفاقم الأزمة الراهنة.
وأضاف أنه في حال دخل مصرف جديد إلى لبنان، فهو لن يعاني من مشكلة الدولار القديم ولا إعادة الودائع ما يوحي بثقة أكبر للزبائن، الأمر الذي سيجذبهم إليه أكثر.
وعن مصدر أموال المصارف الإلكترونية، شدد مارديني على أن من يريد إطلاق مصرف عليه أن يضع رأسمال محدد، لافتاً إلى أن الحديث يدور الآن عن رؤوس أموال بحوالى الـ50 مليون دولار للمصرف الواحد.
من هنا، أكّد أن أي مبلغ بالدولار الفريش سيشكّل وديعة بالنسبة للمصرف، على الرغم من أن العمل الأساسي لهذا النوع من المصارف يقتصر على تسهيل المعاملات التجارية كالدفع والقبض، إلا أنه إذا أصبحت لديه ودائع، فسيتمكّن المصرف الالكتروني من إتاحة القروض للزبائن.
وبالتالي، يكون مصدر المال في المصرف الإلكتروني أموال المساهمين والودائع.
وفي هذا الإطار، كشف مارديني أن هدف المصارف الإلكترونية ليس إعادة أموال المودعين، بل إعادة تنشيط الحركة الإقتصادية في لبنان.
وأوضح أنه كي يستقيم اقتصاد البلد مجدداً، يجب على المصارف أن تعطي قروضاً للمواطنين كي يستطيعوا إنشاء مشاريع تجارية، لتمويل أعمالهم وكي يتمكنوا من الإستثمار، مؤكداً أنه طالما أن القطاع المصرفي غير قادر على جذب ودائع وبالتالي غير قادر على إعطاء القروض، فسيبقى الواقع الإقتصادي على حاله.
ونوّه مارديني بأن الجديد الذي ستقدّمه المصارف الإلكترونية هو أنها لا تعاني من نفس المشكلة التي تعاني منها المصارف التقليدية، كما أن كلفتها أقل وتستطيع بالتالي تقديم عروض تنافسية في ما يخصّ الدفع العالمي.
وعن مصير المصارف التقليدية في حال بدء العمل بتلك الإلكترونية، اعتبر مارديني أن سبيل خروج المصارف اللبنانية من الأزمة هو أن تفصل بين الدولار القديم والدولار الجديد، وأن تعيد إطلاق العمل المصرفي على أساس الفريش دولار.
وأوضح أنه في حال استطاعت المصارف الحالية أخذ ودائع بالفريش وإعطاء قروض بالفريش أيضاً وقبضها بالدولار الجديد في الوقت عينه، فسينهض ذلك بالقطاع المصرفي مجدداً.
وختم مارديني بالقول: “في حال جرى الترخيص لمصارف جديدة، فسيتمّ بالتوازي تقديم التسهيلات للمصارف القديمة بأن تستطيع التعامل بالفريش”.
في الواقع السياسي- الإقتصادي الحالي المقيت، من البديهي القول ألا حلّ سحرياً سيعيد إلى المودعين ودائعهم. ويبقى السؤال: هل ستتيح المنظومة السياسية أي حلّ يعيد للمواطنين ما تعبوا سنوات في جمعه؟