لم يعد أمام رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الكثير من هوامش التحرّك في الملف الرئاسي، خصوصًا بعدما فُرزت المواقف الآيلة إلى التبلور في الساعات المقبلة، بعد أن يكون كل من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والنائب غسان سكاف قد استكملا مهمتهما التشاورية، على رغم أن كثيرين يعتقدون أن هذه المحاولات لن تكون نتيجتها أفضل مما توصل إليه المطران أنطوان ابي نجم من استنتاجات في نهاية الجولات التي قام بها، مكلفًا من البطريرك الراعي، على مختلف رؤساء الكتل المسيحية.
وعندما نقول إن هامش التحرّك المتاح لباسيل بدأ يضيق أكثر فأكثر فهذا يعني أنه لم يعد أمامه سوى أن يسلك مسلكًا واحدًا من بين مسلكين أو خيارين لا ثالث لهما. وإذا لم يبادر إلى حسم خياراته سريعًا فإنه سيجد نفسه معزولًا من حيث قوة التأثير، التي لا يزال يملكها، باعتباره يرأس أكبر كتلة نيابية مسيحية. ولكن هذه القوة ستبقى مفردة إن لم يُحسَن توجيهها واستخدامها في المكان والزمان المناسبين وفق نمطية تسارع الأحداث والتطورات الإقليمية والدولية.
فالخيار الأول المتاح لباسيل هو العودة إلى تموضعه الأول، أي إلى محور “الممانعة” من خلال الاصطفاف مجدّدًا في صفوف “حزب الله” بما يتلاءم وطبيعة تمسّكه مع حليفه الرئيس نبيه بري بترشيح رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، مع تحسين شروط الانضمام إلى هذا المحور، بحيث يكون موقع باسيل متقدّمًا في العهد الجديد، من حيث عدد الوزراء أو من حيث تفعيل حيثيته في الوظائف الأساسية، والتي كان له فيها حصّة الأسد في عهد الرئيس السابق ميشال عون، إضافة إلى عدد من التفاهمات حول مستقبله السياسي، وبالتحديد الرئاسي. فإذا رأى باسيل أن حسابات الربح والخسارة “موفيّة” معه يعود إلى حيث كان في تموضعه السابق، قبل أن “ينفخت” الدف ويتفرّق “عشاق 8 آذار”. أمّا إذا رأى أن حسابات حقله لا تنطبق على حسابات بيدر “حزب الله” فإنه سيكون حتمًا أمام الخيار الثاني، وهو حتمية تفاهمه مع “القوات اللبنانية” في حال تمّ التوافق على الأسس المبدئية، التي يمكن أن يُنشأ عليها هذا التحالف الجديد، الذي يبقى الملف الرئاسي فيه تفصيلًا قياسًا إلى ما يمكن أن يسود العلاقات “القواتية – العونية” من ترتيب لـ “البيت المسيحي”.
المعلومات غير الرسمية تشير إلى أن كلًا من “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” يتصرفان بحذر شديد في حوارهما المتقطّع حتى الآن، وغير المنتظم، ولكنه ذا دلالات مهمّة، يمكن التأسيس عليها، وفق مصادر قريبة من الطرفين، وهي التي تحاول تقليص مسافة التباعد بين “معراب” و”ميرنا الشالوحي”.
الانطلاقة “القواتية – العونية” أساسها ما يجمع ما بين أكبر كتلتين نيابيتين مسيحيتين من رفض لتفرّد “الثنائي الشيعي” في ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية، مع الأخذ في الاعتبار ما ستسفر عنه الاتصالات المحلية والإقليمية.
مصادر مقرّبة من “القوات” لا تبدي حماسة مفرطة في إمكانية التفاهم على ما بعد “فركشة” وصول فرنجية إلى بعبدا، وأهمّها وقبل أي أمر آخر قبول باسيل بالمرشحين الذين ترى فيهم “معراب” ما يعيد إلى الدولة ما كان لها، فيما تتوقع مصادر مقرّبة من “التيار” أن تبدي “القوات” ليونة أكثر من ذي قبل، وذلك ردًّا على اليد الممدودة إليها، والتلاقي في منتصف الطريق، لأن “ميرنا الشالوحي” تعرف أن “القوات” ستبقى محاصرة في المكان والزمان الرئاسيين ما لم تضمن انضمام نواب تكتل “لبنان القوي” إلى تكتل “الجمهورية القوية”، بالإضافة إلى نواب حزب “الكتائب اللبنانية” ونواب كتلة “اللقاء الديمقراطي” وعدد لا بأس به من “النواب التغييريين” والمستقلين، والتوافق على مرشح قادر على أن يجمع بين كل هذه القوى، ولا يكون بالتالي استفزازيًا بالمعنى الحصري للكلمة، وذلك من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من النواب السنّة.
أمام كل هذه المعطيات المحلية والإقليمية وحتى الدولية يجد باسيل نفسه محاطًا بكمّ من المصالح المشتركة بينه بين “حزب الله” من جهة، وبينه وبين “القوات اللبنانية ” من جهة ثانية، آخذًا كل وقته قبل أن يقرر على أي برّ “أمان” سيرسو عليه. فهل يحطّ في “معراب” أم ينطّ ليكون في أحضان “حارة حريك