كتب عقل العويط
بوعيٍ عاقلٍ ومتواضع، أُنصِّب نفسي شاهدًا لِما يجري في الجمهوريّة اللبنانيّة، على صعيد انتخاب الرئيس خصوصًا، وممارسة السلطة والحكم عمومًا، وشاهدًا – في الآن نفسه – على هذا الذي يجري، بتفاصيله النكراء وبعناوينه الجليلة على السواء.
أشهدُ أنّي ما قرأتُ في التواريخ اللبنانيّة الحديثة والقديمة، وما رأتْ عيني، عصابةً سياسيّةً، حاكمةً أو مساهمةً في الحكم، مثلما أقرأ وأرى. لو كان للخزي تعريفٌ، لكان يجب أنْ يُعرَّف بهذه العصابة، ويُعرَف بها. أذكر الخزي، وأقصد، معًا وفي آنٍ واحد، “صفات” الدناءة والحقارة والصغر والتصاغر والاستكبار والازدراء والصلف والعار والمهانة والتفاهة والسلبطة والبلطجة والكذب والانبطاح والذمّيّة والانتهازيّة والتسوّل والدعارة (الوطنيّة) والسرقة والفساد والعهر والانحطاط وانعدام الشرف والكرامة.
هذا بعضٌ قليلٌ جدًّا جدًّا من “صفات” هذه الجماعة السياسيّة التي لا ترعوي ولا يشبع لها جوعٌ ولا يرتوي لها عطش.
لم يبقَ على جسم لبنان إلّا الجِلد والعظم. وإذا كان الحيوان ذو الإباء يأنف مقاربة الجلد والعظم، فإن هذه العصابة، بدل أنْ ترتدّ، ترى نفسها تمعن وتوغل وتستشرس وتتفنّن في نهش الجلد والعظم، والقضم والاستيلاء واللحس والتكالب والاستثارة والتناطح بالقرون على غرار الثيران الهائجة المجروحة، والافتراس بالأنياب والأضراس والأظفار على غرار الكواسر والوحوش الضارية.
ماذا بقي من رئاسة الجمهوريّة لكي تعكف عليها هذه العصابة عكوفًا يشبه نبش القبور والضرائح وانتهاك حرمات الجثث والموتى؟
أما المسترئسون (الصغار) هؤلاء، الظاهرون والمتستّرون والمستترون والمنتظرون، النعاج منهم والذئاب والنعامات على السواء، فتراهم يقولون ردًّا على تقريعٍ معروفٍ، ومَثَلٍ سائرٍ، إنّ السماء ها هي تمطر على رؤوسنا ووجوهنا، وإنّ هذا ليس بصاقًا البتّة، بل هو مطرٌ، مطرٌ، مطر.
لستُ أعمى، ولا متعاميًا، ولا مُعمِّمًا، لأساوي بين مَن يغتصب الدستور وأمّ الدستور وأخته وابنته وبنات أعمامه وأخواله بذكورة الاستقواء والعنف والإرهاب والقوة والبطش والقتل، وبين مَن لا سقف له ولا يريد أنْ يكون له سقفٌ إلّا دولة القانون.
أأنا أعمى، أم متعامٍ، أم مُعمِّم، لأساوي بين أهل السياسة والمشتغلين فيها (على عللهم المتفاوتة)، أو بين المرشّحين والمسترئسين؟ كلّا، لستُ. لكنّ ما يلحق بالمنصب (المارونيّ وموارنته) وبمعناه وبدلالاته من تعهيرٍ ماكرٍ وخبيثٍ بل شيطانيّ (وعلى أيدي الجميع)، وما يلحق بالدولة والجمهوريّة برمّتها، من جرّاء ما يستشري، يحمل الشاهد حملًا لا على طلب “السترة”، بل على الانتفاض والعصيان، لأنّ الكيل قد طفح، ولم يعد مسموحًا لأحدٍ، أو لجهةٍ، هنا، وفي غير مكان، بأنْ يحمّل ما بقي من لبنان، ومعه الدستور، ودولة القانون، ما لا طاقة للجبال العاتيات الصامتات الأبيّات على تحمّله.
الشاهد، إنْ شهد، يطلب لا الرأفة فحسب بما بقي من حشرجات لبنان، وبكرامة كلّ مَن هو صاحب كرامةٍ تعلو على كلّ منصبٍ واعتبار. بل يطلب الانتقال من الفرّ العشوائيّ المتبعثر إلى الكَرّ الرؤيويّ المنهجيّ المنظّم.
للشاهد أنْ يشهد: وإذا “طارت” رئاسةٌ، ومعها المناصب كلّها، أيجب – وبأيّ منطقٍ وجوديٍّ ومعيارٍ سياسيٍّ – أيجب أنْ يذهب الجلد والعظم، جلد لبنان وعظمه، طعمًا لنيران نيرون وفساده وجبروته وصحبه وأزلامه وذمّيّيه ومتسوّليه؟
للحؤول دون ذلك – أكرّر: للحؤول دون ذلك -، ورفضًا لِما يجري، وانتفاضًا على ما يجري، وعصيانًا، إنّي أشهد.
داعيًا إلى وقف الفَرّ على الفور، والانتقال إلى عملٍ معياريٍّ وجوديّ لا يتلكأ ولا يتردّد في إعلان “خطّة” الكَرّ الرؤيويّ المنهجيّ والديموقراطيّ المنظّم،… وإنْ تطلّب ذلك جمع (وتجميع) كلّ مَن يعنيه مصير الديموقراطيّات والحرّيّات ومسألة دولة القانون المدنيّة العلمانيّة السيّدة الحرّة المستقلّة، ولزوم “نحر” الكثير من الأنانيات والصغائر والأحقاد، وإنْ أيضًا ذهبت رئاسة الجمهوريّة إلى الجحيم.
المسألة ليست رئاسة جمهوريّة فحسب. إنّها أيضًا مسألة وجود لبنان، بدستوره، وكيانه، وحدوده، ومصيره، وجمهوريّته، وتنوّعه، و… طائفه.
إلى خطّة الكَرّ، هلّق. وفورًا. وإنْ ذهبت رئاسة الجمهوريّة إلى الجحيم.