كتب عقل العويط
مَن قال إنّ الحرب في لبنان تنتهي؟ مَن قال إنّ الحرب في لبنان انتهتْ يومًا لتبدأ من جديد؟ مَن قال إنّ الحروب ستنتهي يومًا في العالم؟
ما دام هناك مستكبرٌ على الدستور على الدولة على الشأن العام على المؤسّسات على القانون على القضاء، ومستقوٍ بالمال بالسلاح، ومستعينٌ بالخارج، أيّ خارج، ومهدِّدٌ بإفساد ليل النوم، ومتلاعبٌ بأمن الداخل والحدود، فعبثًا نتحدّث عن ليرةٍ، عن انتخاب رئيسٍ، عن إحقاقِ حقٍ، وعن نقابٍ يُكشَف لإماطة لثامٍ عن مدينةٍ فُجِّرتْ ذات مساء، وعن تفجير شعبٍ وبلاد.
باطل الأباطيل كلّ شيءٍ في لبنان – وهناك في العالم – باطلٌ، ما دام ثمّة مَن يقتل مَن يدمّر مَن يشرّد في الوضح ولا أحد يقول له ما أحلى الرمش في عينك.
ها عامٌ يمضي على هذه الحرب العالميّة، على هذه المقتلة الجائرة التي تدور رحاها في أوكرانيا، كأنّها شربة ماءٍ عند هؤلاء البجم، عند الوحوش هؤلاء.
هذا هناك. أمّا هنا في بلادنا فلم يعد ثمّة حشرجةٌ واحدةٌ لأملٍ يتحشرج في بلادنا على أيدي البجم هؤلاء.
إلى أين يا كاليغولا، ويا كلّ كاليغولا، هناك، وهنا، وهنالك؟
إلى أين أيّها المسعور الممروض الماجن المجنون؟ ألا يكفي كلّ هذا اللهو الهمجيّ الذي يُحَيْوِنُ الكائن (يجعله حيوانًا)، ويبيد احتمالات الفرح والأمان والبهجة والأمل والحلم فوق مقبرة هذه الحياة الشقيّة؟
وأنتَ أيها العالم (هل قلتُ المتمدّن؟!)، ما بالكَ أيّها العالم؟ أيّ جوعٍ هو جوعكَ الضاري هذا إلى القتل إلى التدمير إلى التخريب إلى التشويه إلى التبشيع إلى التعهير إلى التيئيس، وإلى هذا الحدّ؟!
وهذا العلم كلّه، وهذا الاختراع، وهذا الذكاء الافتراضيّ، وهذه العبقريّات كلّها، وكلّ ما توصّل إليه العقل البشريّ من تحديثٍ وتطوير وتخليق وتهجين؛ هذا كلّه، لِمَ هذا كلّه، ما دام يُستخدَم في إضرام حطب هذه العربدة الكونيّة، هذه الكوميديا البشريّة اللّامحتملة؟
حروبٌ كبيرةٌ للغاية، وصغيرةٌ للغاية، وكلّها تلغي، وتمحو، وتستأصل، وتحقد، وتكره، وتقسّم، وفي كلّ مكانٍ وزمان، وهنا والآن، في لبنان، في فلسطين، في العراق، في سوريا، في أفريقيا، في الخليج، وكلّه باطل أباطيل!
أيّها الكاليغولات (جمع كاليغولا، وهو الأمبراطور الروماني الذي حكم من 37 إلى 41 للميلاد، ومات قتلا بانقلابٍ عليه، واشتهر بقسوته وجنونه)، أيّها الحكّام، أيّها السلاطين، أيّها الطغاة، في روسيا، في الولايات المتحدة، في الصين، في أوروبا، في القارّة السمراء المنهوبة والمستعبدة، في الشرق الأوسط، في إسرائيل، في إيران، في لبنان، في الشمال، في الجنوب، في الغرب، في الشرق، وفي التخييل والافتراض.
كلّ ما تفعلونه، أيّها القتلة، باطل. وكلّ الحروب، وكلّ الإبادات، والاستبدادات، والاحتلالات، والاستعبادات، والمؤامرات، والدسائس، والصفقات، والعقود، والاتّفاقات، وأسلحة الدمار، ووضع الأيدي على المصائر، وتأجيج القوميّات والهويّات والعنصريّات والعرقيّات والطائفيّات والدينيّات والمذهبيّات والظلاميّات…
ومن أجل ماذا؟! أمن أجل هذه الدموع التي تذهب إهدارًا فوق ركامات هذا الكون، تحت ركامات هذا الكون؟!
باطل الأباطيل، كلّ شيءٍ باطل.
أَوَحده العدم اللاهث وراء العدم، هو الذي ينفع؟!
ملعونٌ أنتَ أيها العالم، ملعونون أنتم أيّها الحكّام، وملعونةٌ أنتِ أيّتها الحروب الكبيرة الصغيرة والدناءات والصغائر التي من أجل لا شيء. لا شيء.
متران في الأرض، حدًّا أقصى، لكلّ كاليغولا، لكلّ طاغيةٍ مهما طغى. ولكلّ قاتلٍ متران في الأرض، مع دود الأرض، مهما قتل.
الأرض باقية، وهي لا تبالي بنا.
باطل الأباطيل. كلّ شيءٍ هنا وفي العالم باطل.
عبثًا نتحدّث عن سلامٍ في أوكرانيا، عبثًا نتحدّث عن ليرةٍ، هاااااا هنا، عن انتخاب رئيسٍ، عن إحقاقِ حقٍ، عن نقابٍ يُكشَف لإماطة لثامٍ عن مدينةٍ فُجِّرتْ ذات مساء، وعن تفجير شعبٍ وبلاد…
عبثًا كلّ شيءٍ، ما دام هناك كاليغولا طاغية مجنون يلهو بمسدّسٍ فوق ركام هذا العالم وهنا.