كتبت راجانا حمية في “الأخبار”:
لم يسبق أن وصلت نقابة الصيادلة في لبنان إلى اتّخاذ قرار «الحد الأقصى»، القاضي بدعوة المنتسبين إليها إلى إقفال أبواب صيدلياتهم. لم يعد الصيادلة يملكون ترف انتظار «الفرج»، على حدّ قولهم، بعدما طفح الكيل وبات الاستمرار في سياسة العلاج الترقيعي ضرباً من ضروب الخيال.
أمس، كانت دعوة النقابة إعلاناً عن الخطوة التصعيدية الأولى التي تفتتحها في وجه شركات استيراد الأدوية وأصحاب المستودعات بعدما توقّف هؤلاء نهائياً عن تسليم الأدوية. ومن خلف هؤلاء، المواجهة مفتوحة مع المعنيين بقطاع الدواء في ظل التقاعس عن إيجاد حلول للأزمة التي تدفع في كلّ يوم صيادلة إلى إعلان الاستسلام وإقفال صيدلياتهم نهائياً.
التزم الصيادلة بقرار النقابة شبه الكلي على جميع الأراضي اللبنانية، مع «توقف الشركات عن تسليم الأدوية منذ ما يقرب من أسبوع»، وفق نقيب الصيادلة جو سلوم. وفي الأسباب المعلنة، يأتي الدولار وفوارقه، ما بين مؤشر وزارة الصحة العامة والذي حدّدته أول من أمس على أساس سعر 55 ألف ليرة وبين سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء على أساس 61 ألف ليرة (وهو السعر الذي سجّله الدولار ظهر أمس).
إقفالات قسرية
أما في الأسباب الطويلة الأمد، فهي تكمن في وصول القطاع إلى حافة الانهيار، مع التآكل الذي يلحق برأسمال الصيدليات من جهة، وفقدان الكثير من الأدوية من جهة أخرى، التي تدفع الكثيرين إلى الإقفال القسري لصيدلياتهم بعدما باتت الأكلاف التشغيلية تفوق ما يجنونه من أعمالهم. وعلى أرض الواقع، يفنّد بعض الصيادلة هذه الخسائر بالأرقام. ويشير أحدهم إلى أنه باع «أول من أمس على أساس سعر صرف 50 ألفاً، ثم 55 ألفاً بعد صدور المؤشر، وأنا على يقين بأن ما جنيته لا يكفي لشراء الأدوية بعدما بات سعر الدولار 61 ألفاً». أضف إلى ذلك «أن الشركات توقفت عن التسليم ونحن نستنفد ما لدينا من أدوية».
عملياً، وبحسب أحد الصيادلة «ما ينفد من صيدلياتنا لا نستطيع أن نشتريه بسبب توقف التسليم والدولار، وهذا ما يؤثر في طول لائحة الأدوية المفقودة».
ويتفق الكثير من الصيادلة على أن «البعض أقفل صيدليته بعدما فرغت من الكثير من الأدوية». صحيح أن هذه الإقفالات قسرية، إلا أنّها أول الطريق نحو الإقفالات النهائية مع اشتداد الأزمة». وإن كان ليس هناك من رقم نهائي لأعداد الصيدليات التي أُقفلت نهائياً، إلى أن هناك «عدداً لا بأس به من الصيادلة سافروا أو تركوا صيدلياتهم وسلّموها لمتخرّجين جدد وبقيت بأسمائهم، وهذه تصعّب من إمكانية الإحصاء الدقيق».
نحو تحرّك كبير
هذه الخطوة ليست آخر المطاف، إذ يشير سلوم إلى التحضير لخطوات أخرى بالتنسيق مع النقابات الحرة الأخرى «من أجل التحضير لتحرّك كبير»، انطلاقاً من عناوين كثيرة ليس أولها إجبار شركات الأدوية على تسليم الأدوية وتوفيرها للمرضى، مروراً بالأدوية المزوّرة والمهرّبة، وليس انتهاءً بالصيدليات والمستوصفات غير الشرعية.
أبعد من الإضراب، يتحدّث بعض الصيادلة عن عقمٍ في الحلول، مع عجز المؤشر عن اللحاق بسعر صرف الدولار، حتى المطالبات بإصدار مؤشر يومي «ليس حلاً جذرياً للأزمة». ويطالب البعض بانقلاب في الحلول «يعني طالما أنه ليست هناك جرأة باعتماد أدوية الجينيريك فلا تعويل على الحلول».
على الضفة المقابلة، لم تبدِ نقابة مستوردي الأدوية أي حسن نية، فهي تشترط التسليم بإصدار مؤشر يومي للأسعار «وهو ما وعدنا به وزير الصحة العامة». وإلى ذلك الحين، دعت «جميع المستوردين والموزّعين إلى الاستمرار بتسليم الحدّ الأدنى من احتياجات السوق إلى حين استقرار الوضع النقدي من جديد»!