يتخبط لبنان بأزماته السياسية والمالية والاقتصادية من دون وجود أي بوادر انفراج في الفترة القريبة قد تخفف من وطأة المشاكل والهموم التي تُثقل كاهل المواطن اللبناني. فدولار السوق الموازية يُواصل ارتفاعه وقد اقترب من عتبة الـ 53 ألفاً، وفي الأول من شباط المقبل يبدأ لبنان باعتماد سعر صرف جديد للمرة الأولى منذ أكثر من 25 عاماً حيث ينتهي العمل رسميا بسعر الصرف الـ 1500 ليرة ليحلّ مكانه دولار الـ15 الفاً، وسط توقعات أيضا بتغيير مصرف لبنان سعر منصة صيرفة وإصدار تعاميم جديدة
وتترافق هذه المسائل مع البلبلة التي أحدثتها التحقيقات التي بدأها وفد قضائي أوروبي بشأن قضايا فساد وتبييض أموال حصلت عبر مصارف لبنانية وقضايا الإثراء غير المشروع. فماذا ينتظرنا على الصعيد المالي والاقتصادي في الأيام المُقبلة وما تأثير هذه التحقيقات على وضع المصارف وأموال المودعين؟
رفع سعر دولار صيرفة
خبير المخاطر المصرفية والباحث في الإقتصاد الدكتور محمد فحيلي اعتبر في حديث لـ “لبنان 24” ان “رفع سعر الصرف على منصة صيرفة سيُصبح ضروريا في شهر شباط المقبل إذا استمر ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية”، مُشددا على ان “ثمة إجراءات على مصرف لبنان ان يتخذها في حال استمر باعتماد منصة صيرفة للتداول حيث سيضطره، اما ان يخفف من سقوف الاستفادة للأفراد بالدولار على منصة صيرفة ، او ان يرفع سعر صرف المنصة والذي قد يصل إلى 42 ألفا وحتى أكثر”.
وقال: “مصرف لبنان لا يستطيع إيقاف صرف رواتب وأجور موظفي القطاع العام على منصة صيرفة لأن هذا الأمر أصبح ضروريا، كما ان دفع الرواتب بالليرة اللبنانية سيؤدي لضغوط كبيرة على السوق لجهة الارتفاع الحاد بالكتلة النقدية بالليرة عند صرف الرواتب، لذا من الأفضل له ان يدفعها بالدولار وان يعيد سحب هذه الدولارات من السوق الموازية على سعر مرتفع وان يتحمل هو الخسارة “.
ولفت فحيلي إلى ان “الأدوات التقليدية التي تتوفر للمصارف المركزية مثل الفائدة وإصدار شهادات إيداع وإغراء المصارف لتوظيف فائض السيولة عند مصرف لبنان لم تعد متوفرة عند “المركزي” وأيضا لم تعد السلطة السياسية قادرة على إصدار سندات دين مثل سندات الخزينة او “اليوروبوند” بعد التعثر في الدفع فأصبحت اليوم منصة صيرفة الأداة الوحيدة الموجودة بين يدي مصرف لبنان لكي يتدخل بالسوق لجهة تجفيف السيولة أو ضخها”.
ولفت إلى ان “مصرف لبنان أسس منصة صيرفة كأداة تكون بمتناول يديه ليتدخل بسوق الصرف وفي الوقت نفسه ان يستطيع من خلالها تمويل المصاريف التشغيلية للدولة اللبنانية”.
“الدولرة” الشاملة
هل تحوّل السوق اللبناني إلى دولرة نقدية شاملة؟ يجيب فحيلي: “المشكلة الأساسية التي يُعاني منها الاقتصاد اللبناني حاليا هي الاعتماد المُفرط على النقد والذي سببه انعدام ثقة المواطن بالمؤسسات المالية”. وشدد على وجود طرق بديلة يُمكن لمصرف لبنان اللجوء اليها وهي متوفرة ، منها على سبيل المثال العودة إلى أساليب الدفع المُتاحة من خلال القطاع المصرفي أي اعتماد الشيكات وبطاقات الدفع وبطاقات الائتمان والتحاويل داخل البلد أي ان يعتمد بالحد الأدنى او ان يُلزم المصارف والمؤسسات باعتماد هذه الوسائل لتمويل المصاريف التشغيلية للمؤسسات ولتمويل فاتورة الاستهلاك للأفراد والعائلات”.
وأضاف: “اليوم الاقتصاد اللبناني يعتمد بنسبة تفوق الـ 60 % على الاقتصاد النقدي بالليرة اللبنانية وبالدولار ونحن ذاهبون باتجاه الاعتماد الكامل على الاقتصاد النقدي، ومن سيئات هذا الأمر خطورة التنقل بكمية كبيرة من الأوراق النقدية، كما ان توفر الأوراق النقدية بين يدي الناس يُعزز المُضاربة وأهم نتائج المُضاربة ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية”، مُشددا على ان “الممر الالزامي للحلول بالقطاع المالي والنقدي هو العودة إلى وسائل الدفع المُتاحة من خلال القطاع المصرفي.”
واعتبر فحيلي ان “تركيز الأنظار اليوم على أداء المصرف المركزي هو إجحاف بحقه فهو اتخذ كل الإجراءات التي يستطيع ان يأخذها لتأمين وصول المودع إلى أرصدة حساباته بالمصارف بالحد الأدنى، واستطاع ان يؤمن له 400 دولار فريش لمن يستفيد من التعميم رقم 158 وتأمين رواتب وأجور القطاع العام وفسح المجال لأصحاب الدخل المحدود بالقطاع العام الاستفادة من دولار مدعوم على منصة صيرفة، ولكن هذه الأمور ليست حلولا بل هي إجراءات استثنائية وفي كل تعميم يصدره مصرف لبنان يشير إلى انها إجراءات استثنائية “.
ولفت إلى ان “هذه الإجراءات من قبل مصرف لبنان وغياب الإصلاحات يؤديان إلى تآكل القدرة الشرائية لأموال اللبنانيين وتآكل القيمة الاقتصادية لممتلكاتهم، وبالتالي المودع والمواطن هما من يدفعان الثمن”.
ماذا عن التحقيقات القضائية الأوروبية؟
يقول فحيلي: “الوفد القضائي الأوروبي يفتش عن معلومات ليشكل قضية لأن لا قضية اليوم ولا اتهام بالقضاء بل بالسياسة والأعين مصوبة باتجاه مصرف لبنان وحاكمه الذي لا يزال يتعامل حتى الساعة مع البنك الدولي ومع صندوق النقد الدولي”.
وأضاف: “أي مبادرة تذهب باتجاه الكشف عن الفاسدين الذين سرقوا أموال اللبنانيين وقتلوا الاقتصاد اللبناني مرحب بها ولكن منطقيا هل يمكن تحميل رياض سلامة وشقيقه فقط مسؤولية الانهيار المالي في لبنان؟ كما لا بد من الإشارة إلى ان الشعب اللبناني هو من أعاد انتخاب 90% من الذين اتهمهم بالفساد واعادهم إلى المجلس النيابي ليشكلوا اللجان وليأخذوا القرارات التي من المفترض ان تنقذنا”.
وختم فحيلي بالقول: “التحقيقات القضائية مبالغ فيها وقد تستثمر بطريقة أخرى،ففي حال لم يوجه أي اتهام جدي لرياض سلامة خلال أشهر فسيعتبر بريئا من كل الاتهامات وسيُجدد له في حاكمية مصرف لبنان وهذا السيناريو الأكثر ترجيحاً”.