اعتاد “التيار الوطني الحر” في كل مرّة يكون فيها مأزومًا أو في “ورطة” أن يلجأ إلى “الشعبوية”، وإلى اعتماد سياسة “ضربني وبكى سبقني وأشتكى”، خصوصًا في ملف الكهرباء، الذي أخفق فيه إخفاقًا ما بعده إخفاق، إلى درجة أن لبنان بات يعيش في عتمة شبه شاملة، وذلك بفضل “السياسات التضليلية”، التي اتسمت بها مسيرة “الوزراء العونيين”، الذين توالوا على وزارة الطاقة، منذ “احتلالها” في العام 2015 حتى اليوم.
ومنذ ذاك التاريخ وحتى اليوم، لم يعرف لبنان “يومًا كهربائيًا متل الخلق”، مع أن ما صرفه هؤلاء الوزراء على كهرباء لم تأتِ ما يقارب الـ 40 مليار دولار، وهو رقم كاف، بحسب الخبراء، لإنشاء ما يقارب سبعة أو ثمانية معامل انتاج، أي معمل لكل قضاء في لبنان، أي بمعنى آخر، أنه كان في مقدور لبنان أن “يشعشع” من جنوبه إلى شماله، وسهله وجبله وساحله 24 ساعة على 24، وأنه كان في استطاعته أن يمدّ جيرانه بالطاقة، التي قد تفيض عن حاجة لبنان الاستهلاكية اليومية.
أين ذهبت كل تلك المليارات من الدولارات، ومن استفاد منها، ولماذا كان السيد جبران باسيل يصرّ عند تشكيل الحكومات المتعاقبة على أن يكون وزير الطاقة “عونيًا” أو أحد المقربين جدًّا منه، وماذا كانت النتيجة؟
النتيجة واضحة كقرص الشمس وكعين الديك: صفر كهرباء. هدر بمليارات الدولارات. إلقاء التهم جزافًا. التنصّل من المسؤولية والقاؤها على الآخرين.
واللجوء إلى مقولة “ما خلّونا”، وهي أهون أمر يمكن أن يقوم به أي انسان عندما يرى نفسه “مزروكًا” في زاوية الاتهامات المحقّة.
فلو سألنا ابن عشر سنوات في أي منطقة من لبنان عمّن هو مسؤول عن عدم توافر الكهرباء، أقّله عشر ساعات في اليوم، يكون جوابه ومن دون تردّد ومن دون أن يلقّنه أحد إياه: جبران باسيل.
فـ”الذين استحوا ماتوا”. هذا المثل بواقعيته الفجّة ينطبق مئة في المئة على الكلام، الذي سمعه اللبنانيون في أول أيام السنة الجديدة، وهو كلام مجّته الآذان لكثرة ترداده من قِبل الذين “كوفئوا” على ما قاموا به من “إنجازات” في وزارة الطاقة، استدعت الترقية من رتبة موظف محظي الى وزير فنائب.
وفي محاولة لـ”ترطيب” ذاكرة من يحاول دائمًا النسيان أو التناسي، نعيد إلى القارئين مشهد جلسة مجلس الوزراء في 26 شباط من العام الماضي، حين تمت الموافقة المبدئية على “الخطة الوطنية لإصلاح قطاع الكهرباء” التي قدمها الوزير وليد فياض، بعد كثير من النقاش والاخذ والرد، والرفض القاطع من قِبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لأي “ترقيع” جديد من خلال السلف المالية او السير بالسلوك الذي اعتمد خلال المراحل السابقة وادى الى خسائر هائلة من اموال الخزينة، ومن دون الوصول الى نتائج ايجابية، بل على العكس فإن الامور اتخذت منحى “دراماتيكيا” وصولا الى ساعتيّ تغذية فقط في اليوم.
لا شك في ان رفض ميقاتي اعطاء سلفة جديدة لقطاع الكهرباء والاجتماعات المتلاحقة التي عقدها قد ساهمت في تصويب الكثير من الامور لجهة الالتزام: بتطبيق القانون 462 تاريخ 2/9/2002 (تنظيم قطاع الكهرباء) بشكل فوري، لا سيما في شقه المتعلق بتشكيل الهيئة الناظمة وتسمية أعضائها بالمواصفات المعتمدة وفق المعايير الدولية، وتأليف لجنة وزارية مهمتها مراجعة قانون تنظيم قطاع الكهرباء، إضافة الى رفع التعرفة بعد تحسُّن التغذية ابتداء من 8 الى 10 ساعات يوميا مع مراعاة وضع ذوي الدخل المحدود الذين لا يتجاوز استهلاكهم الشهري 500 كيلواط، ووضع القطاعات الإنتاجية المستحقة، واعتماد خطة لتحسين الجباية لا سيما من خلال استعمال العدادات الذكية، واعداد دفتر الشروط للإعلان عن مناقصة تهدف الى تحسين الشبكة وإنتاج الطاقة وفقا للمخطط التوجيهي بأقل كلفة، بعد اجراء مراجعة لهذا المخطط عند الاقتضاء.
ولأن معمل سلعاتا لم يكن يشكّل بالنسبة إلى الرئيس ميقاتي أولوية، بل بالعكس فإن الاولوية هي لتفعيل معامل الزهراني ودير عمار والذوق والحريشة، قامت قيامة جبران باسيل ولم تقعد. وكان ما كان من مواقف “كيدية” يعرف خلفياتها جميع الذين تعاطوا بملف الكهرباء… والحبل على الجرار.