على خلفية الإرتفاع الصاروخي لسعر الدولار، عاد الحديث عن تهريب الدولار من لبنان إلى سوريا، وتأثيره لجهة المساهمة في المسار التصاعدي للدولار في بيروت، بحيث شهد ارتفاعا أكثر من 5 آلاف ليرة في أسبوع واحد. ما حقيقة الأمر، وأي معطى استجدّ داخل سوريا ورفع الطلب على الدولار في الأسبوعين الأخيرين؟
مسألة تهريب العملة لخضراء إلى سوريا، أثارتها جهات عدّة في الأيام الأخيرة، منهم القاضي بيتر جرمانوس، والنائب هادي أبو الحسن الذي كتب عبر حسابه على تويتر “الدولار يهرب إلى سوريا من قبل عصابات التهريب، وسعره الى ارتفاع جنوني ومن دون ضوابط، بدل التلهي بالمناكفات السياسية والفبركات القضائية، قوموا بواجباتكم بملاحقة تلك العصابات واوقفوها، لكن يبدو الارتهان والاستعراض الإعلامي يغريكم”، وأشار أبو الحسن إلى “عصابات معروفة تقوم بشراء الدولار من السوق المحليّة وبكميات “مخيفة” وتهرّبه الى سوريا عبر الحدود البريّة”. كذلك النائب عماد الحوت في مقابلة تلفزيونية أكّد أن “الدولار في السوق اللبناني هو للبنان وسوريا”.
تتهاوى العملة السورية أمام الدولار شأنها شأن الليرة اللبنانية، وقد خسرت من قيمتها أكثر من 90% ما بين العامين 2018 و2022. حاول النظام السوري تأمين العملة الصعبة، وفرض على النازحين الذين يزورون سوريا تصريف 100$، كما فرض على السوريين المقيمين في الخارج تحويل مبالغ بالدولار شهريًا. لكن بفعل العقوبات المفروضة على سوريا تتناقص القدرة على تأمين النقد بالدولار من السوق الموازية، ومع تزايد وتيرة انهيار الليرة السورية، سارع التجار للتخلي عنها واستبدالها بالدولار عبر اللجوء إلى السوق اللبنانية.
في السياق كشف أحدّ الصرّافين لـ “لبنان 24” أنّ هناك ارتفاعًا في الطلب على الدولار من قبل تجار سوريين في الآونة الأخيرة، ويتركّز الطلب في منطقة البقاع، حيث يوجد صرّافون يقبلون بتبديل الدولار بالعملة السورية. فضلًا عن شح الدولار في سوريا، قمة أزمات بنويّة تتضاعف هناك، لاسيّما في القطاعات التي تحتاج للدولار كالكهرباء ومشاكل النقل. كما أنّ السوريين المقيمين في لبنان والذين يعملون لقاء أجر بالليرة اللبنانية، يطلبون الدولار بدورهم خوفًا من فقدان قيمة أموالهم. يضاف إلى ذلك ما يستورده لبنان من سلع لصالح سوريا، فضلًا عن شبكات التهريب الناشطة في تهريب الدولار وغيره إلى الداخل السوري في عمليات منظّمة، وهي شبكات محميّة من قبل جهات سياسية، وفق ما يلفت الخبير الإقتصادي الدكتور بلال علامة في حديث لـ “لبنان 24″، مستبعّدًا أن تعمد شركات تحويل الأموال في لبنان إلى تهريب الدولار إلى سوريا “فهذه الشركات لا تستورد أموالًا خارج الإطار القانوني، وتخضخ للرقابة الأميركية وبالتالي لن تخاطر بمصيرها”.
كل ما ذُكر يندرج في إطار العوامل التي تدور في المنحى السوري وترفع الطلب على الدولار في السوق اللبنانية، ولكنّها ليست العامل الوحيد المسؤول عن المسار التصاعدي للدولار في لبنان، وفق علامة، بل هناك جملة عوامل توافرت في الوقت نفسه ورفعت من سعر الصرف، منها إقفال مراكز مالية في الآونة الأخيرة، كان قد عمد أصحابها إلى إقناع البعض بتشغيل أمواله ضمنها، مقابل الحصول على أرباح وفوائد عالية “وقد بدأت هذه السوق تنهار، وأختفى عددٌ من مشغّليها في الأيام الأخيرة، فطُلب من المتعاملين تسديد ما عليهم، لذا سارعوا إلى الحصول على الدولار من السوق ليتمكّنوا من التسديد، وهذه المنصّة مجهولة الخلفية وغير شرعيّة ولا أحد يعرف من يديرها أو يقف خلفها”.
سبب آخر أدى إلى زيادة الطلب على الدولار، وفق مصادر مالية، وهو لجوء عدد من العاملين بالعملات الرقميّة، إلى تبديل رصيدهم بالفريش دولار بعد عمليات تعقّب جرت وكشفت عن هوياتهم. المعطى الثالث وفق علامة، هو مضاعفة رواتب القطاع العام “بحيث تمّ دفع 36 ألف مليار ليرة في الشهر الحالي، ولم تتمكن الدولة من تغذية الرواتب بعائدات الضرائب، لاسيّما بعد تريث وزير المال بتطبيقها على خلفية اعتراضات جرت. أمّا السبب الرابع فهو المضاربة الحاصلة من قبل فعاليات ماليّة مؤثرة في السوق، أبطالها معروفون بالإسم، ومحميّون، على سبيل المثال الرسالة الصوتية التي تمّ تسريبها والعائدة لأحّد كبار الصرّافين الممسكين بأحدى منصّات التطبيقات الإثنين الماضي عندما بدأ الدولار بالإرتفاع “شباب أدخل لاستحم، لموا الدولار من السوق على 46100″ وهي رسالة تدل على الخفّة التي يتم من خلالها التعامل بسعر الصرف في السوق الموازية”.
حمل لبنان أكبر من طاقته، يقول علامة، ولكن العلاج بحاجة إلى ثلاث خطوات أساسيّة، تتمثّل في إصلاح القطاع العام ورفع الإنتاجية، فرض سيادة الدولة على كامل أراضيها في الحدود البريّة والبحريّة والجويّة ومعالجة شبكات التهريب والسوق الموازية.