خرجت الفضة في عام 2025 من هامش الاهتمام الاستثماري لتتحوّل إلى نجم الأسواق، متفوّقةً على الذهب ومُربِكةً خريطة المعادن النفيسة، مع تسجيلها قفزات تاريخية مدفوعة بعجزٍ مزمن في المعروض وطلبٍ استثماري وصناعي غير مسبوق.
وبحسب بيانات رويترز، بلغت أسعار الفضة ذروة تاريخية في كانون الأول 2025 عند 64.64 دولارًا للأونصة، قبل أن تواصل صعودها متجاوزة 72 دولارًا، محققة مكاسب تقارب 147% منذ مطلع العام. هذا الأداء الاستثنائي طغى حتى على الذهب، الذي ارتفع بنحو 70% خلال الفترة نفسها بفعل التوترات الجيوسياسية وخفض الفائدة الأميركية وعمليات الشراء المكثفة من البنوك المركزية.
ويعزو محللون هذا الصعود إلى ستة عوامل رئيسية، أبرزها العجز الهيكلي المستمر في الإمدادات العالمية، وتحوّل الفضة إلى معدن محوري في الصناعات الحديثة، ولا سيما الطاقة الشمسية، والسيارات الكهربائية، ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي. كما لعبت سياسات التيسير النقدي، وتصاعد المخاطر الجيوسياسية، دورًا في تعزيز جاذبية الفضة كملاذ آمن، إلى جانب تدفقات ضخمة إلى الصناديق المتداولة المدعومة بها.
وفي هذا السياق، أكدت تقارير سي إن بي سي وفايننشال تايمز أن السوق لم يشهد مستويات مماثلة إلا في محطات نادرة خلال العقود الخمسة الماضية، أبرزها عام 1980 وعام 2011، لكن الفارق هذه المرة أن الطلب الصناعي طويل الأجل بات عنصرًا حاسمًا في المعادلة.
وزاد من الزخم إدراج الفضة ضمن قائمة المعادن الحيوية الحرجة في الولايات المتحدة عام 2025، ما عزّز مكانتها الإستراتيجية، ودفع إلى تكديسها تحسّبًا لتعريفات جمركية محتملة، الأمر الذي فاقم اختلال العرض والطلب.
أما النظرة إلى عام 2026، فتبدو أكثر جرأة. إذ يرى محللون في مؤسسات كبرى، من بينها بي إن بي باريبا، أن البيئة الاقتصادية الحالية قد تدفع أسعار الفضة إلى مستويات غير مسبوقة، مع ترجيحات بوصولها إلى حدود 100 دولار للأونصة إذا استمرت الضغوط التضخمية والجيوسياسية، وتواصل الطلب الصناعي نموه.
وفي الاتجاه نفسه، يعتبر مستثمرون مخضرمون أن السوق الصاعدة للفضة لا تزال في بداياتها، وأن المعدن الأبيض لم يعد مجرد “ذهب الفقراء”، بل عنصرًا إستراتيجيًا في اقتصاد الطاقة النظيفة والتحول الرقمي، كما يؤكد معهد الفضة.
خلاصة المشهد أن الفضة تقف اليوم عند تقاطع نادر بين المال والصناعة. ومع استمرار العجز في المعروض وتسارع التحول التكنولوجي العالمي، لم يعد السؤال ما إذا كانت موجة الصعود ستستمر، بل إلى أي مستوى يمكن أن تصل، وما إذا كان عام 2026 سيشكّل فعلًا بداية عصر جديد للمعدن الأبيض.
