تتصاعد النقاشات حول مشروع قانون يهدف إلى قبول قرض من البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار أميركي لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروع جرّ مياه نهر الأوّلي وبحيرة القرعون إلى بيروت، وذلك استكمالًا للمرحلة الأولى التي مُوّلت بقرض سابق قدره 200 مليون دولار، ويثير المشروع جدلاً واسعًا حول جدواه الاقتصادية والبيئية والصحية، وسط تحذيرات من نقل الأزمة المائية من مناطق إلى أخرى بدل معالجتها بشكل مستدام وعادل على المستوى الوطني.

في هذا الإطار، تؤكد عضو لجنة البيئة النيابية، النائب نجاة صليبا، في حديثٍ لـ”ليبانون ديبايت”، أن “مشروع جرّ المياه إلى بيروت هو نقل للأزمة، وتهديد للزراعة، وتكريس لسياسات فاشلة”، موضحة أن “اقتراح القانون أُعيد طرحه لتنفيذ مشروع استجرار المياه إلى بيروت وضواحيها من نهر الأوّلي وبحيرة القرعون، على أن يتولّى مجلس الإنماء والإعمار تنفيذ المشروع، مع السماح باستخدام نحو 270 مليون دولار من المبلغ المتبقي من قرض البنك الدولي المخصص لقطاع المياه، ويُفترض أن يؤمّن المشروع نحو 100 مليون متر مكعّب من المياه سنويًا، إلا أن وضع هذا الرقم في سياقه العلمي والسكاني يُظهر فجوة كبيرة بين الدعاية السياسية وما تحتاجه بيروت فعليًا، مؤكدة أن المشروع لا يحلّ أزمة المياه بل ينقلها من منطقة إلى أخرى”.

حاجة بيروت الفعلية للمياه

تشير المعايير الدولية إلى أن المدن الكبرى تحتاج بين 200 و250 لترًا من المياه للفرد يوميًا، ما يعني أن بيروت الكبرى تحتاج سنويًا إلى نحو 200–250 مليون متر مكعّب، في المقابل، لا يؤمّن المشروع المقترح سوى 100 مليون متر مكعّب كحدّ أقصى، أي أقل من نصف الحاجة الفعلية، رغم تسويقه سياسيًا على أنه يغطي 80–90% من الطلب، وهو ادعاء لا يستند إلى أي أساس علمي أو رقمي دقيق.

أزمة إدارة لا أزمة موارد

وتضيف صليبا أن “بيروت الكبرى تعاني عجزًا مائيًا مزمنًا ليس بسبب شحّ الموارد فقط، بل نتيجة سوء إدارة تاريخي للقطاع، وهدر واسع في شبكات التوزيع، وتراكم مشاريع مكلفة وفاشلة منذ أكثر من نصف قرن، وبدل معالجة هذه الأسباب البنيوية، يُعاد اليوم طرح مشروع جرّ المياه من نهر الأوّلي والقرعون، رغم محدودية كميته، وكلفته المرتفعة، ومخاطره المؤكّدة”.

كلفة مرتفعة ونتائج محدودة

وتشير إلى أن الكمية القصوى الممكن جرّها لا تتجاوز 100 مليون متر مكعّب سنويًا، أي أقل من نصف الحاجة الفعلية لبيروت الكبرى. ومع ذلك، يُسوّق المشروع سياسيًا على أنه يؤمّن 80–90% من الحاجة، دون أي أرقام علمية دقيقة. وقد صُرف حتى اليوم نحو 230 مليون دولار على نفق الوردانية–خلدة، ويُطلب الإفراج عن 80 مليون دولار إضافية من القرض المجمّد، ما يرفع الكلفة الإجمالية لأكثر من 300 مليون دولار، من دون أي ضمان لتوافر المياه أو نجاح المشروع.

مخاطر صحية وبيئية وزراعية جسيمة

وتحذّر صليبا من أن “المياه المراد جرّها مصدرها نهر الليطاني وبحيرة القرعون، وهما من أكثر المصادر المائية تلوّثًا في لبنان، ويحتويان على أكثر من 60 نوعًا من المعادن الثقيلة، إضافة إلى الصرف الصحي والنفايات الصناعية. وتشدد على أن محطة تكرير الوردانية غير قادرة تقنيًا على معالجة هذه الملوّثات المسرطِنة، ما يشكّل خطرًا مباشرًا على الصحة العامة، كما أن تحويل المياه سيؤدي إلى توقّف معمل شارل الحلو وخسارة نحو 75 ميغاواط من إنتاج الكهرباء”.

وترى أن “استجرار هذه الكميات من المياه سيؤثّر مباشرة على الأراضي الزراعية في مناطق الأوّلي والليطاني، ويخفض مياه الريّ المتاحة للمزارعين والسكان المحليين، ما يهدّد الإنتاج الزراعي، والأمن الغذائي، وسبل عيش المجتمعات المحلية، في وقت تُنقل فيه المياه إلى العاصمة بدل الاستثمار في إدارة عادلة ومستدامة للمياه على المستوى الوطني”.

توصيات بديلة قائمة على العلم والعدالة

وتؤكد صليبا أنه “بدل الإصرار على مشاريع تنقل الأزمة من منطقة إلى أخرى، المطلوب اعتماد مسار وطني متكامل لإدارة المياه، يشمل:

-تنظيف نهر الليطاني عبر وقف جميع التعدّيات والتلوّث عند المصدر.

-مراجعة الاستراتيجية الوطنية للمياه في ضوء الجفاف وتراجع معدلات الأمطار المتوقعة.

-إصلاح وتشغيل محطات تكرير الصرف الصحي وإعادة استخدام المياه المعالجة للري الزراعي.

-إصلاح تسريبات الشبكات وتحديث البنى التحتية للحدّ من الهدر.

-حصاد مياه الأمطار عبر خزّانات صغيرة محلية.

-إعادة التشجير ووقف قطع الأشجار لتعزيز تغذية الخزّانات الجوفية”.

وتختم صليبا حديثها بالقول: “إذا أردنا حلّ أزمة المياه في لبنان بشكل حقيقي، فلا بدّ من التخلي عن المشاريع التي تنقل المشكلة من منطقة إلى أخرى، والعمل على إدارة عادلة ومستدامة للمياه تخدم جميع اللبنانيين”.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version