بقلم د. علي المصري _ رئيس اللوبي الإقتصادي الدولي
لسنوات طويلة، دار النقاش نفسه من أين نبدأ إصلاح لبنان؟
تغيّرت الحكومات، تبدّلت الشعارات، وتعاقبت الخطط. ومع ذلك، بقي البلد يراوح في مكانه، كأن شيئًا لم يتغيّر.
الحقيقة البسيطة التي يتجنب كثيرون قولها هي أن الأزمة ليست أزمة قوانين أو بنى تحتية فقط، بل أزمة فلسفة حكم وثقافة مجتمع وطريقة اختيار.
أولًا: المشكلة كما هي… بلا تجميل
لبنان اليوم يعاني من ثلاث عقد مترابطة
1. دولة بلا إنتاج
اقتصاد مبني على الاستهلاك والخدمات، بلا صناعة حقيقية، بلا زراعة متطورة، بلا رؤية تكنولوجية.
بلد يملك طاقات بشرية مذهلة، لكنه لا يستخدمها، ويعتمد على التحويلات بدل الإنتاج.
2. مؤسسات تُدار بالولاء لا بالكفاءة
الإدارات الرسمية، المناقصات، التعيينات… كلّها تُبنى على مبدأ “من مع مَن”، وليس “من الأفضل لهذه الوظيفة”.
فتتراجع الجودة، ويتقدّم الفساد، ويضيع الوطن بين الحصص.
3. ثقافة سياسية تعيد تدوير نفسها
الناس تشكو من الطبقة الحاكمة، ثم تعود لانتخابها.
الناخب يفضّل حماية طائفته على حماية مستقبله.
فيتحول الزعيم إلى قدرٍ، والمواطن إلى تابع، والدولة إلى ساحة صراعات صغيرة.
هذه هي الحقيقة… ومن دون الاعتراف بها، لا معنى لأي خطة إصلاح.
ثانيًا: من أين نبدأ؟
1. نبدأ من الإنسان اللبناني
قبل أي قانون أو مشروع، يجب أن يتغيّر مفهوم المواطنة.
لبنان لا يُبنى بشعب يخاف من زعيمه، بل بشعب يعرف قيمته، ويدرك أن كرامته ليست منحة من أحد.
المواطن الذي يختار وفق مصلحته الوطنية يفرض على الدولة أن تتغيّر.
أما المواطن الذي يصوّت خوفًا أو تبعية… فلن يرى دولة قوية مهما تبدّلت الوجوه.
2. نبدأ من الاقتصاد
لا وجود لدولة بلا اقتصاد منتج.
وما لم يتحول لبنان إلى منصة:
• للتكنولوجيا
• للطاقة المتجددة
• للسياحة النوعية
• للصناعة الخفيفة
• للزراعة الحديثة
فلن يتحرك من مكانه مهما أُدخلت المليارات.
3. نبدأ من شراكة جديدة بين الدولة والقطاع الخاص
القوة الحقيقية للبنان كانت دائمًا في أبنائه، رجال أعماله، طاقاته البشرية.
الدولة وحدها لن تبني البلد.
والقطاع الخاص وحده لا يستطيع أن يفرض رؤية وطنية.
لكن شراكة ذكية، عصرية، شفافة… يمكنها أن تُعيد إطلاق عجلة النمو بسرعة قياسية.
ثالثًا: ما هو الحل؟
1. إصلاح الحوكمة
• تعيينات وفق الكفاءة فقط.
• مؤسسات إلكترونية تمنع الفساد قبل وقوعه.
• إدارة لا تقوم على الحصص بل على الأداء.
2. خلق بيئة استثمار مستقرة
مستثمر واحد يهرب = عشر فرص تضيع.
والاستقرار لا يأتي بالوعود بل بالقوانين، وبإدارة الدولة ككيان لا كغنيمة.
3. بناء اقتصاد متعدد المحركات
عجلة واحدة لا تكفي.
نحتاج خمس عجلات تدور معًا:
المغترب – الاستثمار – الإنتاج – التكنولوجيا – السياحة النوعية.
4. إعادة الثقة بين الإنسان والدولة
الثقة تُبنى بتطبيق قانون واحد على الجميع.
هذه وحدها كفيلة بإحداث صدمة إيجابية تغيّر مسار البلد.
رابعًا: كيف ننهض فعليًا؟ (الرؤية)
أنا أرى أن الحل الحقيقي يبدأ عندما يقرر اللبناني أن يتحرر من عقدة الخوف، ويصبح شريكًا في بناء الدولة لا تابعًا لأي جهة.
الرؤية التي نحتاجها:
• دولة مؤسسات حديثة لا تحتاج وساطة.
• اقتصاد يقوده الابتكار لا الصفقات.
• قيادة تُحاسَب، وشعب يعرف حقوقه.
• مشروع وطني ينقل لبنان من منطق الطوائف إلى منطق المستقبل.
لبنان لديه كل شيء…
عقول، طاقات، إمكانات، موقع، خبرات، وشعب قادر على صناعة المعجزات عندما تتوفر له الظروف.
ما ينقصه ليس القدرة… بل القرار.
والقرار يبدأ من الناس، ثم يُصاغ في المؤسسات، ثم يتحول إلى نهضة وطنية حقيقية.
يوم يختار اللبناني وطنه فوق حساباته الصغيرة… يبدأ صعود لبنان الجديد.
