كتبت ملاك عقيل في اساس ميديا:
مَنَحت حكومة الرئيس نوّاف سلام المفاوضات المكّوكيّة فرصة إضافيّة، فلم ترسل مشروع قانون إلى البرلمان، في خطوة لم يكن يريدها سلام أصلاً، لكنّ مسار الصراع الانتخابيّ قد يقوده إلى ذلك. لم “تُفرَج” انتخابيّاً بعد، لكنّ الاتّصالات الرئاسيّة “شغّالة” لتفادي الأسوأ. تؤكّد معلومات “أساس” أنّ التنسيق يتمّ على أعلى المستويات بين الرئيسَين عون وبرّي، وتبريد الأجواء مستمرّ بين الرئيسَين برّي وسلام.
أتت دعوة الرئيس نبيه برّي إلى عقد جلسة تشريعيّة يوم الثلاثاء ضمن سياق شدّ الحبال النيابيّ الذي، وفق مصدر مطّلع، مهما اشتدّت قوّته لن يؤدّي إلى تأجيل الانتخابات النيابيّة المقرّرة في أيّار المقبل.
الرغبة الداخليّة الدفينة بالتأجيل حاضرةٌ لدى الغالبيّة العظمى من القوى السياسيّة والنوّاب، لكنّ ما دأب المسؤولون اللبنانيّون على سماعه من موفدي الخارج يُلخَّص بالآتي: “نحن لا نفرض عليكم أيّ مسار أو خطوة معيّنة، خصوصاً حين تتعلّق بأمور دستوريّة، لكنّ التمديد لمجلس النوّاب سيكون بمنزلة ضربة كبيرة للمسار الإصلاحيّ، وله نتائجه الفوريّة”. مع ذلك، ثمّة من يؤكّد أنّ “واشنطن قد لا تحبّذ إجراء الانتخابات في أيّار المقبل إذا أظهرت استطلاعات الرأي احتفاظ الثنائي الشيعيّ بالـ 27 مقعداً في البرلمان”.
وفق المعلومات، جدول أعمال الجلسة الماضية الذي كان مُتخَماً بالبنود الدسمة دفع إلى تأجيل إدراج مشروعَي القانون إلى الجلسة المقبلة
لاءات برّي
لذلك يُكثر أهل القرار والسلطة من عبارة “الانتخابات في موعدها”. في المقابل، يزداد المشهد الانتخابيّ غموضاً، وفي الأيّام الماضية رفع الرئيس برّي السقف عالياً، في الإعلام، على أكثر من مستوى:
– إعلانه لموقع “أساس” عدم موافقته على إلغاء الدائرة الـ16 (دائرة نوّاب الاغتراب في القارّات الستّ). هذا يعني أنّه إذا بقي برّي على موقفه فقد تتعرّض الانتخابات لاحتمال التأجيل بسبب صعوبة الاتّفاق السياسي على التقرير التقنيّ والعلميّ الذي سبق أن أنجزته لجنة مشتركة من وزارتَي الخارجية والداخلية، قبل أربع سنوات، إبّان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، والذي يُعتبر بمنزلة المراسيم التطبيقيّة لتصويت المغتربين في الخارج للدائرة الـ16. لكنّ المطّلعين يؤكّدون أنّ مقتضيات التسوية ستدفع الجميع إلى التراجع خطوة إلى الوراء.
– تأكيد برّي أنّه لا يحقّ للحكومة أصلاً إرسال مشروع قانون إلى مجلس النوّاب في ظلّ وجود قانون انتخابيّ نافذ كان “يُسمّى قانون جورج عدوان”، كما قال لقناة “إم تي في”، في لطشة مباشرة لـ”القوّات اللبنانيّة” التي عَدَلت عن رأيها في تأييد القانون سابقاً، بسبب مصلحتها الانتخابية بذلك.
– الدعوة التي وجّهها برّي إلى جلسة عامّة الثلاثاء محصورة فقط باستكمال جدول أعمال الجلسة الماضية في 29 و30 أيلول التي طيّرت “الموالاة” نصابها، على مدى يومين متتاليين، وبادر برّي إلى رفض ختم محضرها. أوكل برّي آنذاك إلى نائب رئيس مجلس النوّاب الياس بوصعب إعلان أنّ “الجلسة معطّلة، وكلّ القوانين التي أقررناها، قبل تطيير النصاب، ستبقى محفوظة بانتظار جلسة ثانية لإقفال المحضر”، وهو ما عدّه مقاطعو الجلسات مخالفة للقانون، وعرقلة لمسار إقرار القوانين الإصلاحيّة المطلوبة دوليّاً.
– يطرح برّي مساراً صعباً يسبق إحالة اقتراح القانون المعجّل المكرّر المقدّم من نوّاب لإلغاء مقاعد الاغتراب إلى مجلس النوّاب أو مناقشة أيّ مشروع قانون آتٍ من الحكومة (مشروع وزير الخارجية)، وذلك من خلال اشتراط بتّ اللجنة النيابيّة الفرعيّة القوانين الثمانية الموجودة على طاولتها، وعلى رأسها اقتراح القانون المقدَّم من النائب علي حسن خليل الذي يحاكي تطبيقاً فعليّاً لاتّفاق الطائف، ثمّ إرسال هذه القوانين جميعها إلى مجلس النوّاب، أو الاتّفاق على قانون أو أكثر وإحالتها إلى الهيئة العامّة لبتّها. وبعد ذلك يأتي دور “اقتراحات القوانين المعجّلة”!
الدعوة التي وجّهها برّي إلى جلسة عامّة الثلاثاء محصورة فقط باستكمال جدول أعمال الجلسة الماضية في 29 و30 أيلول التي طيّرت “الموالاة” نصابها
– رَفَع برّي المعركة على قانون الانتخاب، في شّقها المرتبط حصراً بمقاعد الاغتراب، إلى مصافّ “محاولة عزل طائفة وهذا ما لن نسمح به”، حتّى إنّه أكّد رفض التمديد التقنيّ لغاية شهر تمّوز، بما يتيح للمغتربين القدوم إلى لبنان للتصويت.
– نيّته تأليف وفد نيابيّ يُقدّم مقاربة لقانون الانتخاب مضادّة لتلك التي حَمَلها مؤيّدو إلغاء المقاعد الستّة إلى رئيسَي الجمهوريّة والحكومة.
مشروعا قانون في الجلسة المقبلة
يُكثِر الرئيس برّي من وضع العصيّ في دواليب النوّاب المؤيّدين لاستنساخ تجربتَي 2018 و2022، بمنح المغتربين حقّ التصويت لـ 128 نائباً من الخارج. لكنّ معلومات “أساس” تؤكّد أنّه على الرغم من التشنّج الذي تتوسّع رقعته نيابيّاً ووزاريّاً، ثمّة توافق رئاسيّ ضمنيّ على إبقاء رفع السقوف ضمن “السقوف” المتّفق عليها.
بهذا المعنى، تشير المعطيات إلى أنّه في الجلسة المقبلة للحكومة ستتمّ إحالة:
– مشروع قانون مقدَّم من وزير الداخليّة أحمد الحجّار مبنيّ على تقرير اللجنة الوزاريّة السابقة يفيد بعدم امتلاك الوزارة التجهيزات والوسائل اللوجستيّة اللازمة من أجل إصدار البطاقة الممغنطة، وفقاً لما نصّ عليه القانون (المادّة 84)، قبل الانتخابات النيابيّة في عام 2026. لكنّ وزارة الداخليّة قادرة على وضع آليّة تجيز إنشاء عدد من مراكز الاقتراع يمكن للناخب اللجوء إليها من أجل الاقتراع بدلاً من الاقتراع في دائرته. وتتضمّن هذه الآليّة إمكان اعتماد QR code.
يومئذٍ خلصت اللجنة في تقريرها إلى “ضرورة العودة إلى مجلس النوّاب كما حصل في عام 2022، لتحديد مصير المادّة 84، إمّا من خلال تعليقها أو إلغائها، وإمّا من خلال تحديد قواعد اعتماد آليّة الـQR code، مع العلم أنّ قانون الانتخاب وجهوزيّة وزارة الداخليّة شكّلا محور لقاء الحجّار مع رئيس الجمهوريّة أمس في قصر بعبدا.
– مشروع القانون المُعجّل المقدَّم من وزير الخارجيّة يوسف رجّي لإلغاء المادّتين 112 و122 من قانون الانتخاب المتعلّقتين باقتراع المغتربين للمقاعد الستّة، والسماح لهم بالتصويت من الخارج للنوّاب الـ128. وهو مشروع مرفوض بشكل قاطع من الثنائي الشيعيّ.
“تنفيس” التّوتّر
وفق المعلومات، جدول أعمال الجلسة الماضية الذي كان مُتخَماً بالبنود الدسمة دفع إلى تأجيل إدراج مشروعَي القانون إلى الجلسة المقبلة. فأمام مواقف برّي الصلبة، ستندفع الحكومة إلى القيام بما لن يُغيّر كثيراً في الكباش الدائر حول تصويت المغتربين، لكنّه سيُقدّم وصفة الحلّ للتسوية المنتظَرة.
بقرار من سلام، وبالتنسيق مع الرئاستين الأولى والثانية، سيتمّ فعليّاً تجاوز الآليّة التي تتيح اقتراع المغتربين للمقاعد الستّة، وفي الوقت نفسه “تنفيس” التوتّر على جبهة الداعين إلى تصويت المغتربين لـ128 نائباً، عبر إرسال مشروع قانون رجّي. والنتيجة التي يتوقّعها المطّلعون على “المطبخ الداخليّ” هي تعليق العمل بمقاعد الاغتراب، وإجراء التعديلات اللازمة في مجلس النوّاب للاستغناء عن البطاقة الممغنطة، والعودة إلى تصويت المغتربين لنوّاب البرلمان الـ128 من لبنان وليس من الخارج.
