كتب رامي الفغالي في موقع JNews Lebanon
يشكّل الاغتراب اللبناني بعدًا أساسيًا في الهوية الوطنية، إذ ينتشر اللبنانيون في مختلف القارات ويحافظون على روابط متينة مع الوطن الأم. هؤلاء المغتربون لم يقتصر دورهم على البعد الاجتماعي والثقافي، بل شكّلوا على مدى عقود ركيزة اقتصادية أولى عبر تحويلاتهم واستثماراتهم التي ساهمت في إنقاذ لبنان من أزماته المالية المتكرّرة. غير أنّ مشاركتهم السياسية ظلّت محدودة ومثيرة للجدل، خصوصًا بعد صدور قانون الانتخابات رقم 44 عام 2017 خلال ما عُرف بـ”العهد القوي”، والذي تضمّن المادة 112 التي خصّت المغتربين بستة مقاعد فقط. هنا يطرح السؤال نفسه: لماذا ينبغي منح المغتربين حقّ التصويت الكامل لـ128 نائبًا بدل الاكتفاء بالتمثيل الرمزي؟
المادة 112… ثغرة قانونية ووسيلة لتهميش ملايين اللبنانيين
أولًا، إنّ المادة 112 من القانون المذكور مثّلت إحدى أبرز ثغرات النظام الانتخابي الجديد. فبينما نصّت على تخصيص ستة مقاعد موزّعة على القارات بحسب الطوائف الأكثر انتشارًا، اعتمدت على إحصاءات غير دقيقة وتوزيع غير عادل، ما أدّى إلى اختزال ملايين اللبنانيين المنتشرين حول العالم بتمثيل شكلي لا يعبّر عن حجمهم ولا عن وزنهم الحقيقي. بهذا المعنى، تحوّل المغتربون إلى فئة “مهمَّشة” سياسيًا، رغم أنهم يمثّلون شريان حياة للبنان اقتصاديًا واجتماعيًا.
ثانيًا، التجربة الانتخابية التي جرت عامي 2018 و2022 أظهرت أنّ اعتماد أصوات المغتربين في دوائرهم الأصلية أعطاهم تأثيرًا مباشرًا في المعادلة السياسية. هذا الإدماج جعلهم جزءًا فعليًا من ميزان القوى داخل البرلمان، وأعاد إليهم حقّ المواطنة الكاملة بدل حصرهم بتمثيل رمزي. التجربة أثبتت إذن أنّ المغتربين قادرون على إحداث تغيير في البنية السياسية إذا ما أُتيح لهم المجال، وهو ما تخشاه الطبقة الحاكمة التي سعت إلى الحدّ من دورهم عبر المادة 112.
ثالثًا، لا يمكن حصر المغتربين بدور مالي أو إنقاذ اقتصادي فقط. إنّ حصرهم بالتحويلات والاستثمارات يُفرغ علاقتهم بالوطن من بعدها السياسي، ويجعل منهم “مصدرًا للأموال” بدل كونهم مواطنين كاملي الحقوق. التصويت لـ128 نائبًا يضمن لهم المشاركة في اختيار ممثلي قراهم ومناطقهم، ويحوّل علاقتهم مع لبنان إلى علاقة متكاملة تتجاوز البعد المادي لتشمل البعد السياسي والوطني.
التصويت الكامل: خطوة نحو عدالة سياسية وديمقراطية حقيقية
إنّ المادة 112 من قانون الانتخابات 44 لم تنصف المغتربين، بل قلّصت دورهم إلى ستة مقاعد رمزية لا تعبّر عن وزنهم الحقيقي. في المقابل، أثبتت التجارب الانتخابية اللاحقة أنّ إشراكهم في التصويت الكامل داخل دوائرهم الأصلية يمنحهم حضورًا فعّالًا ويعيد التوازن إلى العملية الديمقراطية. لذلك، فإنّ حق المغتربين بالتصويت لـ128 نائبًا ليس مطلبًا سياسيًا فحسب، بل هو استعادة لجوهر المواطنة اللبنانية، وتأكيد على أنّ كل لبناني، أينما وُجد، له الحق الكامل في تقرير مستقبل وطنه. باختصار، إنّ الاعتراف بهذا الحق يشكّل خطوة أساسية نحو عدالة سياسية وديمقراطية حقيقية.