كتب أنطوان مراد في نداء وطن:
تؤكد أوساط كنسية رفيعة المستوى، أن زيارة قداسة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان، باتت في حكم المؤكدة على الرغم من عدم صدور بيان رسمي في شأنها حتى الآن. ولكن من الواضح أن الاستعدادات قائمة بجدية إن على الصعيد الرسمي أو على الصعيد الروحي لاستقبال رئيس الكنيسة الكاثوليكية في بلاد الأرز، على خطى سلفَيه يوحنا بولس الثاني وبنديكتوس السادس عشر، علمًا أن البابا فرنسيس رحل وفي قلبه وقلب محبيه غصة لعدم تمكنه من زيارة لبنان، بعدما كانت على قاب قوسين من التحقق بسبب دقة وضعه الصحي في حينه.

وزيارة البابا لاوون الرابع عشر ستكون ضمن جولة خارجية هي الأولى له بعد انتخابه، وتشمل تركيا في محطتها الأولى وذلك لمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ 1700 لانعقاد مجمع نيقية المسكوني، علمًا أن مدينة نيقية التاريخية بحد ذاتها، والتي تقع في جنوب شرق اسطمبول، باتت بمعالمها القديمة في جزء كبير منها تحت مياه البحر، وقد حلت محلها اليوم مدينة إزنيك.

أما المحطة الثانية، فستكون في لبنان حيث تمتد زيارة الحبر الأعظم من الثلاثين من تشرين الثاني المقبل إلى الثاني من كانون الأول المقبل. وتكشف معلومات أن ثمة مسألة ولّدت إشكالية يتم العمل على حلها، وتتعلق بإعلان البابا خلال احتفال كبير في الفاتيكان، قداسة الطوباوي الأرمني الشهيد المطران إغناطيوس مالويان في التاسع عشر من تشرين الأول المقبل، إذ تبين أن السلطات التركية تبدي تحفظات على هذا الحدث، لأنه يضيء بوضوح ولو بشكل غير مباشر، على المذابح التي طالت الأرمن في مطلع القرن العشرين، وكان مالويان من ضحايا إحداها مع العشرات من رجال الدين والمئات من المدنيين في منطقة ديا ربكر. وتردد أن أنقرة سعت إلى استصدار تقرير طبي منسوب لمستشفى في تلك الأثناء يفيد بأن المطران مالويان أصيب بأزمة قلبية أدت إلى وفاته في المستشفى، ولم يمت قتلًا.

ويبدو أن الكرسي الرسولي تجاوز هذا الاعتبار، وجولة البابا ستتم كما هو مقرر في انتظار تأكيد موعد زيارة لبنان رسميًا، علمًا أن مصادر الفاتيكان لم تنف صحة تاريخها في آخر تشرين الثاني 2025.

وفي المعلومات المتوافرة، أن دوائر القصر الجمهوري تواصل التحضير للزيارة التي ستشمل مبدئيًا لقاء بين الحبر الأعظم والرئيس جوزاف عون في قصر بعبدا، في انتظار التأكد مما إذا كان سيلتقي رئيسي المجلس والحكومة معًا أو في إطار آخر.

ومن الطبيعي بحسب المعلومات الأولية وغير النهائية، أن يلتقي قداسته رؤساء الطوائف المسيحية على الأرجح في الصرح البطريركي في بكركي، فضلًا عن لقاء رؤساء الطوائف الإسلامية، وثمة سعي لترتيب زيارة البابا ضريح القديس شربل في عنايا، إذا سمح الوقت بذلك، علمًا أن هناك ثابتتين على غرار ما تضمنتهما الزيارتان البابويتان السابقتان، وهما لقاء الشبيبة والقداس الاحتفالي الشعبي الكبير الذي ينتظر أن يشارك فيه مئات الآلاف من المؤمنين.

وتؤكد شخصية بارزة على تماس مع دوائر الفاتيكان، أن زيارة البابا لاوون تمثّل بحد ذاتها تأكيدًا مباشرًا وصريحًا على دعم لبنان وطنًا للشراكة الفعلية والسليمة بين المسلمين والمسيحيين، ترتكز على التوازن الذي يتخطّى حسابات العدد، تأسيسًا على الميثاق الوطني وفرادة لبنان كبلد للعيش المشترك، الذي يحترم الحريات الفردية والعامة ويحترم في الوقت عينه خصوصيات الطوائف والمكونات اللبنانية في إطار الوحدة الوطنية.

كما أن زيارة قداسته، تشكل رسالة دعم واضحة للدولة اللبنانية حكمًا وحكومة، ولرئيس الجمهورية ليس كرئيس مسيحي فحسب، ولكن أيضًا كرمز لوحدة لبنان وسيادة الدولة وانتظام سلطاتها ومؤسساتها الدستورية. فلبنان اليوم، بحاجة لكل دعم ومواكبة ممكنة لتخطي المصاعب التي يعانيها. ويشير إلى أن دوائر الفاتيكان معنية بالحفاظ على لبنان الصيغة والرسالة مع الحرص على عدم الغرق في التقاصيل التي يعود للبنانيين في ما بينهم، معالجتها بحرية وبأبعد ما يمكن عن التأثر بالعوامل الخارجية، مع تفهم الدعوات إلى حماية لبنان وسلمه الأهلي من خلال دولة قوية وقادرة وعادلة، ومن خلال ضمانات إقليمية ودولية، تعزز استقراره وتفتح الباب أمام استعادة مكانته وازدهاره، لا سيما في المرحلة المقبلة الواعدة على الصعيد الإقليمي، في ظل الانفتاح الذي تقوده المملكة العربية السعودية، والذي يوفر دفعًا قويًّا، لتطوير العلاقات المسيحية الإسلامية التي يشكل لبنان نموذجًا فريدًا لها.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version