ليلى حجازي

في الدول المستقرّة، يُفترض أن تكون الإجابة على سؤال “من يحكم؟” واضحة، محدّدة، ومرتبطة بدستورٍ ومؤسسات. لكن في لبنان، هذا السؤال ليس مجرد تساؤل سياسي، بل لغز يوميّ، يُطرَح بوجع، ويُجاب عليه بصمت، أو بكثير من التذاكي.

فمن يحكم هذا البلد فعليًا؟ هل هي الدولة؟ إن كانت الدولة، فأين قراراتها السيادية؟ أين قدرتها على ضبط الحدود؟ أين قدرتها على تنفيذ حكم قضائي أو تحصيل ضريبة أو تأمين كهرباء؟ وهل يمكن لدولة أن تُحكم، وهي تحتاج إلى توافق سياسي حتى على تعيين حاجب في وزارة؟

أم أنّ الحاكم هو الزعيم؟ ذاك الذي يملك كتلة نيابية، وأجهزة إعلام، وأتباعًا يدينون له بالولاء أكثر من ولائهم للمؤسسات؟ ذاك الذي يُدخل الوزير ويُخرجه، يُعطّل الحكومة أو يُحرّك القضاء، يُنظّر على الدولة وهو يتغذّى من ضعفها؟

أم هو الخارج؟ ذاك الذي يراقب ويضغط، يُصنّف ويُعاقب، يُموّل جهةً ليمنع أخرى، ويستثمر في الانقسام بدل أن يدفع نحو حلّ؟ أهو الخارج العربي أم الغربي؟ الإقليمي أم الدولي؟

أم كلّهم معًا، حسب التوقيت والملف؟ الحقيقة أنّ لبنان محكوم بثلاث سلطات متنافرة: دولة مُنهكة، زعماء متسلّطون، وخارج حاضر بغياب الداخل.

وهذا الثلاثي ينتج نظامًا لا يشبه الدولة بل يشبه “التفاهم المؤقّت” على أن لا يحكم أحد بالكامل، ولا يتنازل أحد بالكامل. يُقال إن لبنان بلد التسويات لكنه في الحقيقة بلد الشلل المقونن. يُقال إن فيه مؤسسات لكنها مؤسسات مُعلّقة بإذن سياسي.

يُقال إن فيه حكومة لكنها حكومة بلا قرار. ويُقال إن فيه رئيس جمهورية لكن البلاد يمكن أن تستمر بلا رئيس، لأن القرار ليس هنا أصلًا.وهكذا، لا الشعب يعرف إلى من يوجّه صرخته،

ولا المسؤول يعرف لمن يرفع تقريره، ولا المواطن يثق بأن صوته يُغيّر. وفي هذا الضياع، تُدفن المسؤولية وتُرمى الكرة بين اللاعبين:

الدولة تقول إنها مكبّلة. الزعيم يقول إنه خارج السلطة. والخارج يُعلن حياده ويمارس تدخّله. لكن الأكيد أن ما من وطن يمكن أن يُبنى بلا مرجعية واضحة، وبلا صاحب قرار نهائي.

لا دولة تستقيم إذا كانت القرارات تتخذ خارجها، أو بأمر من زعيم، أو تحت سقف صفقة.ولا مواطن يمكن أن يثق بدولة، وهو لا يعرف من يحكمها.

فمتى تعود الدولة؟

حين تُحدَّد المسؤولية، وتُمسك بمفاتيح القرار، وتخرج من عباءة الزعيم، ومن كواليس الخارج. فلبنان لا يحتاج إلى حاكم إضافي بل إلى دولة حقيقية.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version