كتب ايلي مكرزل في JnewsLebanon

في قلب جنينة البلديّة، وعلى مقعد واحد فقط، تنفجِر عوالم كاملة من الذكريات، التساؤلات، والاعترافات. هناك حيث يلتقي الزمن بنفسه، تأخذنا مسرحية “وعد و وعد” في رحلة فريدة، نادرة في عمقها، ذكية في بنائها، وعاطفية إلى حدّ الوجع الجميل.

في نصّ كتبه الكاتب ديمتري ملكي بذكاء بالغ وحسّ مرهف، نُسافر بين الماضي والحاضر، بين الحلم حين كان فتياً، والندم حين صار كهلاً. هل يمكن لإنسان أن يواجه ذاته؟ أن يرى ماضيه ماثلاً أمامه، حيّاً يتحرك ويتكلّم ويعاتب؟ هذه الفكرة ليست فقط نقطة انطلاق، بل هي جوهر المسرحية: حوار داخلي صار بصوتين، بصورتين، بتجسيد واقعي لصراع نعيشه جميعًا، لكن قلّة منّا يملكون الشجاعة لمواجهته.

المخرج شادي الهبر يُثبت مرّة جديدة أنّه يعرف تمامًا كيف يقرأ النصوص بين السطور، وأنّه لا يكتفي بإخراج النص، بل يغوص فيه ليُعيد تشكيله بصريًا. تناغم الإخراج مع روح النص بدا واضحًا، ليس فقط في حركات الممثلَين أو في الانتقالات السلسة بين المشاهد، بل خصوصًا في لعبة الإضاءة، التي لم تكن تقنية مساعدة بل عنصرًا دراميًا بحدّ ذاته. الضوء في وعد و وعد لا يُنير الخشبة فقط، بل يُنير الذاكرة، يُشير إلى المجهول، ويخلق الشكّ حول الحقيقة والخيال.

أمّا الأداء التمثيلي، فكان على قدر النصّ والفكرة. إبراهيم الحسيني وعلي بيضون وقفا بثبات واحترام أمام شخصيتين تحملان وزناً كبيرًا من العمق والمشاعر المتناقضة. حضور محترف، وصوت داخلي يتحوّل إلى مونولوغات تُلامس القلب والفكر في آن واحد. الممثلان كانا وجهين لعملة واحدة: الذات. وقدّما أداءً  في البساطة المركّبة، وفي التوازن بين الانفعال والسيطرة.

وعد و وعد هي مرآة. نُشاهدها ونشعر أنّها تُشاهدنا. نضحك أحيانًا، ونصمت كثيرًا. وهي رابع مسرحية تُعرض هذا الشهر على خشبات بيروت لمسرح شغل بيت، بعد إن رقم المطلوب غير متوفر حاليا   ، آخر مرة، والديكورات… ويبدو أنّ الموسم المسرحي هذا العام قرّر أن يُحاور ذواتنا بدل أن يكتفي بتسلية عابرة.

في النهاية، إن كنتم تبحثون عن عمل يُحرّك فيكم شيئًا نسيتموه، أو يوقظ أسئلة خبّأتموها منذ سنوات، فـ “وعد و وعد” هي الموعد المناسب… مع أنفسكم.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version