كتبت جويس الحويس في موقع JNews Lebanon
تشهد محافظة السويداء السورية تصعيدًا غير مسبوق، بعد اندلاع اشتباكات مسلحة بين فصائل درزية وعشائر بدوية على خلفية عمليات خطف متبادلة، ما فتح الباب أمام نزاع دموي هزّ الجنوب السوري، وكشف هشاشة الدولة السورية بعد أكثر من عقد على بداية الحرب.
السويداء تشتعل من الداخل
انطلقت المواجهات عقب حادثة خطف تاجر درزي على يد أفراد من إحدى العشائر البدوية، لتتحوّل سريعًا إلى معارك عنيفة استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة. وفي ظل تراخي الدولة، تولّت مجموعات محلية وفصائل مسلحة زمام المبادرة، أبرزها فصائل منضوية ضمن “المجلس العسكري في السويداء”، الذي يحاول فرض نوع من الإدارة الذاتية على أرض الواقع.
مصدر أمني سوري في الجنوب أكد لـ JNews Lebanon أن القيادة العسكرية في دمشق أصدرت أوامر بسحب القوات بشكل مدروس من بعض النقاط في السويداء بعد فشل محاولات الوساطة وخوفًا من تصعيد قد يمتد إلى الجولان أو درعا.
غضب الشارع وتراجع النظام
دور النظام السوري في المواجهة كان محط انتقاد محلي، خاصة بعد اتهامات بتواطؤه مع بعض المجموعات البدوية. وقد أدى ذلك إلى موجة استنكار واسعة من شخصيات دينية واجتماعية في السويداء، وارتفاع أصوات تطالب بإبعاد دمشق عن إدارة الملف الأمني في المحافظة.
قيادي محلي درزي قال لـ JNews Lebanon: “ما يحصل هو نتيجة تراكم سنوات من الإقصاء والتهميش. هناك نية حقيقية اليوم لإنشاء إدارة محلية تقودها المرجعيات الروحية والاجتماعية بعيدًا عن السلطة المركزية التي أثبتت فشلها.”
تحرّكات خارجية وقلق دولي
في ظل التوتر، بدأت جهات دولية بالتحرّك لكبح الانفجار.
مصدر من داخل مشيخة العقل كشف لموقعنا أن المشايخ تلقّوا اتصالات من جهات غربية وأممية تطالب بوقف التصعيد وفتح قنوات تواصل مع زعماء العشائر لتجنيب المنطقة مزيدًا من الانفجار.
في موازاة ذلك، نفّذت إسرائيل غارات على مواقع قرب دمشق والجنوب السوري، ما اعتُبر رسالة تحذيرية موجهة ضد تحركات محتملة لإيران أو الميليشيات الموالية لها. وقد واكب ذلك تحرك رمزي لدروز الجولان المحتل على الحدود، تضامنًا مع السويداء، في مشهد نادر يوحّد الدروز في الجانبين.
مصدر دبلوماسي غربي في بيروت أوضح لـ JNews Lebanon: “ما يجري في السويداء هو اختبار حقيقي للنظام السوري الجديد بعد إقصاء الأسد، ويطرح تساؤلات حول مدى قدرته على إعادة فرض سلطته، خصوصًا في المناطق ذات البعد الطائفي الحساس.”
التداعيات على لبنان والمنطقة
ارتباط الدروز في لبنان بمحيطهم في السويداء يضع التطورات هناك تحت المجهر اللبناني.
مصدر سياسي مطّلع في بيروت صرّح لـ JNews Lebanon أن قيادات درزية لبنانية تتابع الوضع بقلق بالغ، وهناك تخوّف حقيقي من تأثيرات نفسية أو ميدانية قد تُترجم على الأرض، خصوصًا إذا توسّع الدعم الخارجي للمجلس العسكري في السويداء.
على المستوى الإقليمي، تفتح هذه الأحداث الباب أمام إعادة رسم المشهد في جنوب سوريا، وتحديدًا في ظل عودة الحديث عن “كيانات مناطقية” على أسس طائفية أو إثنية، مما يهدد وحدة سوريا، ويهدّد بتكرار السيناريو العراقي أو الليبي.
ما يجري في السويداء لا يمكن فصله عن السياق العام لأزمات سوريا المتعددة. في هذه المحافظة الصغيرة نسبيًا، تتقاطع الحسابات الطائفية والسياسية والأمنية، داخليًا وخارجيًا. ومع كل تصعيد، يبتعد حلم الدولة المركزية الجامعة، وتتقاطع في الجنوب السوري خطوط التماس بين دمشق وتل أبيب، وبين الدروز والعشائر، وبين النظام والمجتمع المحلي، في لعبة نفوذ لا يعرف أحد إلى أين ستقود.