كتب ايلي مكرزل في JnewsLebanon

في صالة مسرح “المونو”، يعود نص “الدكتاتور” للكاتب الراحل عصام محفوظ إلى الحياة من جديد، في عرض مسرحي من إخراج شادي الهبر وتمثيل كمال قاسم وطوني منصور. هذا العمل الذي كُتب وعُرض للمرة الأولى عام ١٩٦٨، لا يزال بعد أكثر من نصف قرن، يُفاجئ جمهوره براهنيّته وإسقاطه الواضح على الواقع السياسي والاجتماعي العربي، دون أن يفقد شيئًا من قوّته أو تأثيره.

المسرحية تتألف من شخصيتين فقط: الجنرال ومساعده سعدون، تدور أحداثها في فضاء مغلق وديكور بسيط، ما يجعل من الأداء والتوجيه الركيزتين الأساسيتين للعمل. ومع ذلك، تنجح المسرحية في شدّ انتباه الجمهور من اللحظة الأولى حتى النهاية، بفضل نصّها القوي وإخراجها الذكي.

المخرج شادي الهبر قدّم قراءة معاصرة للنص، حافظ فيها على جوهر النصّ الأصلي، لكنه ضخّ فيه روحًا جديدة، مستفيدًا من عناصر المسرح البسيطة لخلق مشهدية قوية وذات وقع مباشر. لا مبالغات، لا زينة، بل تركيز كامل على الكلمة وعلى أداء الممثلين، فظهر العرض متماسكًا، حيًّا، وحادًّا في رسالته.

الممثل كمال قاسم في دور “الجنرال” قدّم أداءً متقنًا، حمل فيه عبء شخصية متسلطة، متخبطة، وقاسية، دون أن يقع في فخ الكاريكاتور. في المقابل، لعب طوني منصور دور “سعدون” المساعد بانسيابية وذكاء، محافظًا على التوازن بين الطاعة والخوف والسخرية المكتومة. الثنائية بين الممثلين كانت متناغمة ومتماسكة، وقد حملا المسرحية بثقة وثبات.

الجمهور الذي تابع العرض لا يمكنه تجاهل الوقع المباشر لما جاء على لسان “الجنرال”:
“صادروا مجلس النواب. اعتقلوا النواب، كل النواب. الصوت الواحد أخطر من الكل… وقّفوا الصحف. اعتقلوا الصحافيين… اعتقلوا الشعب. عاشت الثورة.”

هذه العبارات، التي كُتبت منذ أكثر من خمسين عامًا، تُصيب اليوم كما الأمس، وتضعنا أمام حقيقة مريرة: لم يتغير شيء.

سبق أن عُرضت هذه المسرحية في بيروت عام ١٩٦٨ ببطولة أنطوان كرباج وميشال نبعة، ثم أُعيد عرضها في عامي ١٩٧٣ و ١٩٨٣، وها هي اليوم تعود لتؤكد أن المسرح الحقيقي لا يموت، بل يزداد حضورًا وتأثيرًا كلّما زاد القمع وقلت الحرية.

“الدكتاتور”  هي مرآة لواقعنا السياسي، وهي تذكرة بأن الكلمة، حين تُقال بصدق وجرأة، تظلّ أقوى من الرصاص.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version