في ظل الظروف الاقتصادية الدقيقة التي يمر بها لبنان، يبرز الحديث عن الإصلاحات المالية والاقتصادية كضرورة ملحّة للخروج من الأزمة. ويبدو أن المجتمع اللبناني مقبل على مرحلة مفصلية، تستدعي اتخاذ قرارات جريئة وإجراءات عملية تضمن الاستقرار المالي وتحفّز النمو الاقتصادي. في هذا الإطار، يشير الباحث الاقتصادي الدكتور محمود في حديث إلى موقع “ليبانون ديبايت” إلى سلسلة من العوامل والتطورات التي يمكن أن تشكل منعطفاً مهماً في مسار التعافي.

يؤكد الباحث الاقتصادي الدكتور محمود أن المجتمع اللبناني اليوم مقبل على مرحلة مفصلية من الإصلاحات الاقتصادية والمالية المتكاملة. ورغم أن الدولة اللبنانية بدأت بخطوات أولية في المجال المالي عبر بعض القوانين، إلا أن المسار لا يزال بحاجة إلى استكمال من خلال إقرار قانون الانتظام المالي ومعالجة الفجوة المالية بشكل جدّي. فهذه الإصلاحات تمثل المدخل الطبيعي نحو استقرار مالي واقتصادي حقيقي.

في هذا السياق، يلفت الدكتور جباعي إلى الدور المحوري لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين يشددان مرارًا وتكرارًا على ضرورة التزام لبنان بخارطة إصلاحات واضحة وشاملة. كذلك، فإن زيارات المسؤولين الدوليين—مثل باراك، الذي تطرّق في زيارته الأخيرة للبنان إلى هذا الموضوع—تعكس بوضوح حجم الضغط الدولي باتجاه إقرار إصلاحات اقتصادية حقيقية، لا تقل أهمية عن الإصلاحات المالية.

ويرى أنه من الضروري أن تشمل هذه الإصلاحات جهودًا جدية لمكافحة الاقتصاد غير الشرعي وتعزيز الاقتصاد النظامي. فالمؤسسات والشبكات التي تعمل خارج الأطر القانونية لا تدفع الرسوم والضرائب المستحقة، ما يسبب استنزافًا لإيرادات الدولة ويعرقل مسار النهوض الاقتصادي. لذلك، يجب أن يشمل الإصلاح أيضًا تقويض الاقتصاد الموازي وتوسيع قاعدة الاقتصاد الشرعي كجزء أساسي من الاستراتيجية الاقتصادية الشاملة.

بموازاة ذلك، يشير إلى أن هناك بوادر إيجابية من حيث الانفتاح العربي، خصوصًا من دول الخليج، حيث نترقب موسمًا سياحيًا واعدًا من الزوار الخليجيين. وهذا يتطلب من الدولة اللبنانية تجهيز البنية التحتية السياحية والاقتصادية، بما يشمل الكهرباء، الإنترنت، الطرق، والخدمات الأساسية، ليجد السائح بيئة ملائمة وآمنة تسهم في إنعاش الاقتصاد المحلي.

ومن التطورات اللافتة أيضًا، برأيه، الاتصال الذي تم بين فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وإيلون ماسك، والذي أبدى فيه الأخير رغبة في الاستثمار في لبنان من خلال مشاريع مثل “ستارلينك”. هذا النوع من الاستثمارات يمثل فرصة ذهبية للبنان، ويشكل خطوة إيجابية نحو إدماج لبنان في الاقتصاد الرقمي العالمي.

لكن، في المقابل، لا يجب أن نغفل أهمية دعم الشركات اللبنانية العاملة في قطاع الإنترنت، لا سيما تلك التي تمتلك بنية تحتية متطورة مثل الألياف البصرية، وتلتزم بدفع الرسوم والضرائب للدولة. فهذه الشركات تواجه اليوم منافسة غير عادلة من قبل مزودي الإنترنت غير الشرعي، الذين يسيطرون على نحو 70% من حجم السوق. لذلك، من الضروري أن تحصل هذه المؤسسات الشرعية على فرصتها الكاملة، بالتوازي مع فتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية، بهدف تحقيق توازن واستدامة في هذا القطاع الحيوي.

ويخلص إلى أن أي تقدم في ملف الإصلاحات، خصوصًا إذا ترافق مع انفراجات سياسية واتفاقات دولية، سينعكس بنتائج إيجابية على الوضع الاقتصادي العام، وسيسهم في جذب الاستثمارات وتحقيق فرص اقتصادية نوعية. لكن الشرط الأساسي لتحقيق هذا السيناريو الإيجابي، هو تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية بطريقة حقيقية وعادلة، تراعي مصالح المستثمرين المحليين وتضمن في الوقت نفسه جذب المستثمرين الأجانب، لبناء اقتصاد متوازن ومستدام.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version