كتب حسن عجمي في موقع ليبانون ديبايت

ليست ليلة عيد الأضحى المبارك هذا العام كغيرها في لبنان. فبدلاً من أن تكون مناسبة للفرح والاحتفال، تحوّلت إلى ليلة حزينة، طغى عليها صوت القصف ودموع الأطفال وصراخ العائلات التي وجدت نفسها في العراء بين ليلة وضحاها. العدو الإسرائيلي اختار أن يفتتح عيد اللبنانيين بعدوان هو من الأعنف منذ اتفاق وقف إطلاق النار، مستهدفاً الضاحية الجنوبية لبيروت بعدد من الغارات الجوية، خلفت دماراً واسعاً ومشاهد مأساوية.

وبحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، فإن الغارات أدّت إلى تدمير أو تضرر أكثر من مئة شقة سكنية ضمن الأحياء المستهدفة، ما تسبب بتهجير ما يزيد عن 300 عائلة في لحظات، أي ما يعادل مئات المواطنين الذين باتوا بلا مأوى.

هذه الحصيلة الثقيلة تُعدّ استثنائية وخطيرة، خاصة أننا لا نعيش في حالة حرب معلنة. فلبنان، من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، إلى رئيس الحكومة نواف سلام، مروراً برئيس مجلس النواب نبيه بري، يعتمد سياسة التهدئة والدبلوماسية، ويعمل على خط الوساطات مع الجهات الدولية، خصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية، من أجل الضغط على إسرائيل للانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية، وتنفيذ القرار الدولي 1701 بشكل فعلي، والالتزام الكامل بوقف إطلاق النار.

حتى حزب الله، الذي لطالما وُضع في دائرة الاتهام، يكرّر منذ وقف إطلاق النار، بأنه لا يسعى إلى الحرب بل إلى تثبيت الاستقرار، مطالباً الدولة اللبنانية بتحمّل مسؤولياتها في التفاوض من أجل إعادة إعمار ما دمّره العدوان، وإنهاء حالة التوتر القائمة على الحدود.

لكن رغم هذا المشهد المأساوي، ورغم أن أكثر من 300 عائلة قضت ليلتها خارج منازلها، يتملكها الرعب والخوف على أطفالها الذين كانوا ينتظرون العيد بفرح الطفولة، تبرز مشكلة أكثر إيلاماً من العدوان بحد ذاته، وهي الانقسام الداخلي والتشفّي من أبناء الوطن الواحد.

ففي مشهد صادم يعكس حجم الانقسام الأخلاقي قبل السياسي، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات من لبنانيين على منشور للناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، يدعونه فيه إلى قصف الضاحية دون إنذار مسبق، في ما يمكن وصفه بأنه تحريض مباشر على قتل مواطنين لبنانيين داخل منازلهم! هذا النوع من الخطاب تخطّى كل الخطوط الحمراء، وبلغ مستوى من الانحطاط يصعب تبريره أو التسامح معه.

ولعلّ التعليق الذي تصدّر المشهد وتحوّل إلى “ترند” لبناني يعود للشابة “ه. الضاهر”، التي ردّت على منشور أدرعي بالقول: “يعني ضروري تعطي إنذار؟ كنت خليها عيدية سربرايز للمتاولة”.

هذا التعليق أثار عاصفة من الغضب، واجتاحت مواقع التواصل موجة من الإدانات الحادة، حيث وُصفت كلماتها بأنها جريمة أخلاقية وإنسانية تستدعي المحاسبة. لم تأتِ ردود الفعل الغاضبة فقط من مناصري حزب الله أو من بيئة الضاحية، بل أيضاً من معارضين لسياسة الحزب ووجود سلاحه، ومن أبناء طائفتها نفسها، الذين رأوا في ما حدث جريمة حرب ضد مدنيين لبنانيين، لا علاقة لهم بالجبهات أو القتال، بل هم أهل وأطفال وعائلات تسكن في بيوتها.

هذا السلوك المؤلم أعاد فتح جرح قديم في الوعي الجماعي اللبناني: متى سيتوقّف بعض اللبنانيين عن اعتبار خصومهم السياسيين أعداء وجوديين؟ ومتى سيدركون أن الاختلاف السياسي لا يبرّر أبداً الدعوة إلى القتل أو الوقوف إلى جانب العدو ضد أبناء وطنهم؟

فمن يدعو العدو الإسرائيلي إلى قصف مواطنين لبنانيين، إنما ينحدر إلى مستوى خطير من التجرّد الأخلاقي والإنساني، ويُسهم في تعميق الشرخ الوطني. والتحريض على استهداف مدنيين لأسباب طائفية أو سياسية ليس رأياً، بل فعل تحريضي يتنافى مع أي قيم إنسانية، ويعكس أزمة وعي وانهياراً في مفهوم المواطنة.

وختاماً، في زمن كهذا، حيث يئنّ اللبنانيون تحت وطأة الأزمات المتلاحقة، من الاقتصاد إلى الأمن، يجب أن يكون هذا العيد مناسبة للتفكّر في ما وصل إليه الوطن من انحدار قيمي. فإعادة بناء لبنان لا تبدأ بإزالة الركام عن الأبنية، بل برفع الركام الأخلاقي عن الضمير الجمعي الذي تاه في زواريب الحقد والكراهية.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version