تحقيق جويس الحويس ومايا توما في موقع JNews Lebanon
في ظلّ التحديات التي تواجه المرأة اللبنانية في الحياة السياسية، تبرز مسألة الكوتا النسائية كأحد الحلول الضرورية والتي يتم الحديث عنها منذ سنوات لضمان تمثيل عادل وأفضل للنساء في البرلمان. ورغم ارتفاع نسبة ترشّح النساء في الانتخابات النيابية اللبنانية على مرّ السنوات، لا يزال وصولهن إلى المجلس النيابي محدودًا بسبب عوامل عديدة، أبرزها عدم تبنّي الأحزاب لترشيحهن بجدّية، وغياب الدعم الكافي لهن خلال الحملات الانتخابية.
تُعوّل اللبنانيات على العهد الجديد الذي يُنتظر منه أن يكون إصلاحيًا، وتُعقد الكثير من الآمال اليوم خاصة مع تشكيل الحكومة الجديدة بأن يتم بدء العمل على الملفات العالقة ومن ضمنها القوانين التي تنظم عمل المرأة في السياسة لاسيما قوانين الانتخابات.
وفي سبيل الاضاءة على أبرز التحديات التي واجهت وتواجه المرأة في السياسة اللبنانية، تتحدث في هذا المقال شخصيات نسائية بارزة وناشطات في مجال حقوق المرأة عن تجاربهن في الترشح للانتخابات النيابية عام 2022، ليكشفن عن العقبات التي واجهنها، من حملات التضليل إلى الضغوط الاجتماعية والسياسية، بالإضافة إلى غياب التشريعات التي تحمي المرشحات من الاستهداف الإعلامي والسياسي.
فبين الطموح السياسي والتحديات العملية، تبقى القضية الأساسية: كيف يمكن للبنان أن يحقق تمثيلًا نسائيًا أكثر عدالة في الحياة السياسية؟
جوزفين زغيب: إقرار الكوتا النسائية ضروري
أكدت المرشحة السابقة إلى الإنتخابات النيابية في العام 2022 جوزفين زغيب أن الكوتا النسائية في الانتخابات النيابية لم تعد خيارًا يُمكن اعتماده أو لا، “فبالنسبة لي الكوتا النسائية ضرورية، ويمكن أن تكون بشكل مؤقت ومرحلي حتى يُصبح عرفًا لنتمكن من الحفاظ على العدالة في التمثيل، وهي الحل لتتمكن المرأة من إثبات حضورها السياسي وقدرتها على العمل، وأنا مع الالتزام بمضمون إعلان سيداو الذي وقّع عليه لبنان وهو ينص على أن يكون 33 بالمئة من المجلس النيابي من النساء، ويجب أن تترافق الكوتا مع قوانين تحمي المرأة خاصة من الحملات التي تتعرض لها عبر “السوشيل ميديا” والضغوط التي تتعرض لها والتحريض عليها.
وكشفت زغيب أنّه قبل إتخاذها القرار بالترشح إلى الإنتخابات النيابية تأكدت من أنّها كانت جاهزة نفسيًا لخوض هذه التجربة ومن أن قدرتها المهنية والعلمية تؤهلها لخدمة لبنان والإنخراط بالعمل السياسي. وفي هذا الإطار تشير زغيب الى أن الفكرة من ترشحها وطموحها لدخول قبة البرلمان النيابي كان لإحداث تغيير حقيقي بالخطاب السياسي، والعمل على اقرار الاصلاحات الضرورية للنهوض بلبنان.
“أنا لم أواجه أي تحديات لناحية الترشح لأنني كنت قد اتخذت القرار، ولم أتعرض لأي ضغوط سواء في العمل أو من عائلتي بل على العكس الجميع ساندني وقد اخترت شعار “نحنا التغيير”. خوض الانتخابات النيابية هو بحد ذاته تحدٍ كبير بالإضافة إلى الصعوبات والمشاكل التي تطرأ” تقول زغيب.
وأشارت زغيب إلى أن من المشاكل التي واجهتها بعد إنضمامها إلى لائحة “صرخة وطن” في شهر آذار أي قبل شهرين من موعد الإنتخابات هو طلب بعض زملائها منها تغيير شعارها “نحنا التغيير” لأنهم قرروا اعتماده، وقد قبلت طلبهم رغم كلفته الباهظة عليها، ولكنها تفاجأت بعد أسابيع برفع دعوى قضائية ضدها وحصلت حملة تضليلية تهدف لمنعها من الحصول على الصوت التفضيلي.
كما كشفت زغيب عن مشكلة أخرى تعرضت لها بالقول: ” قاموا بإرسال متطوعين ليساعدوني في حملتي الانتخابية وتبين في ما بعد أنهم يعملون لصالح حملات انتخابية أخرى. كذلك تفاجأت بالمال الانتخابي الكبير الذي كان ظاهرًا في معظم المناطق وهو مبدأ كنت أرفضه وغير جاهزة لمواجهته أما التحدي الأساسي الذي واجهني فهو الظهور في الإعلام، فقد كان يتوجب علي دفع أموال كثيرة للظهور في أوقات الذروة، ولم أكن أملك هذه الإمكانيات الكبيرة”.
ولفتت زغيب إلى أنّها من أول الأشخاص الذين قدموا ترشيحهم للانتخابات النيابية لأنها تصّر على أهمية الترشح ضمن المهل الدستورية ولكنها تفاجأت أنّه بعد أسبوعين من تقديم ترشيحها ظهرت أخطاء في عملية الترشح وأضافوا شروطًا جديدة ومنها طلب فتح حساب مصرفي وهو ما لم يكن من الشروط المنصوص عليها، وطُلب منها النزول إلى مركز الـTVA للتصريح عن الذمة المالية علما أن هذا الأمر لم يكن منسقًا مع وزارة المالية. كما أن من المشاكل أيضا أنه “بعد الانتخابات النيابية وعندما لجأت للمجلس الدستوري للطعن بنتيجة الانتخابات إذ كنت أملك الإثباتات الكافية للطعن، تم إحراق مكتبي، وتعرضت لبعض التهديدات”. وختمت بالقول “في لبنان خوض الانتخابات النيابية يفتقد للحريات واحترام الرأي الآخر ويحتاج إلى جرأة كبيرة”.
ليال بو موسى: من الضروري خوض المعركة حتى لو كانت خاسرة
بدورها الصحافية والمرشحة السابقة إلى إنتخابات 2022 ليال بو موسى تعتبر أن المعايير الأساسية التي يجب أن يتمتع بها أي شخص من أجل خوض الانتخابات النيابية هي الحماس وأن يكون مدركاَ لخطورة الدخول في المواجهة. ويتوجب على المرشح أن يكون قادراَ على معالجة المشاكل التي يطرحها وأن يكون على علم ودراية ومتابع للقضايا، بالإضافة إلى وجود خبرة معينة ودراية بالشأن العام. وأضافت ” أنا أعمل كصحافية استقصائية وأحضّر أطروحة الدكتوراة بالقانون التشريعي والجزائي وانطلاقا من هنا أعتقد أنه لديّ القدرة والمعرفة للعمل بالشأن العام والجوّ العام كان يتطلب التغيير في الطبقة السياسية وكوني من التغيريين كان لا بد من خوض هذه التجربة”.
وعن تجربتها الإنتخابية كشفت أن أغلب المحيطين بها كانوا داعمين لها لكنها سمعت الكثير من الانتقادات والنصائح حول ترشحها إذ اعتبر البعض أن الأرقام تؤكد عدم قدرتها على الفوز في الانتخابات، فلماذا المخاطرة بالترشح، ولكنها حافظت على اصرارها لأنها رأت أنه من الضروري خوض المعركة حتى لو كانت خاسرة اذ أن الهدف من ترشّحها هو إظهار قدرة التغيريين على تأمين حاصل إنتخابي.
وأكدت بو موسى أن ترشيح المرأة “كزينة” على اللوائح غالبًا ما يكون على لوائح الأحزاب التقليدية، لكن هذا لا ينطبق على لوائح التغيريين، واعتبرت أن الحزب الذي يرشح امرأة ويتبين أنه لا يدعمها على أرض الواقع، فهذا خير دليل على أنها كانت مجرد “زينة” على اللائحة، وليُظهر فقط للرأي العام أنه منفتح وليس ذكوريًا وأنه حزب يؤمن بالمرأة بالقول والفعل. فمن الواضح مثلًا أن ترشيح ستريدا جعجع في بشري جدّي إنما ترشيح ليال نعمة (مع الاحترام) ليس كذلك، بينما لا ينطبق هذا الأمر على بولا يعقوبيان أو حليمة قعقور وغيرهن من المرشحات اللواتي أثبتن حضورهن وأسماءهن لم تكن مجرد اضافات إلى اللوائح.
من الضروري بحسب بو موسى إقرار الكوتا النسائية للانتخابات النيابية المقبلة لتأمين حضور جدّي للنساء في البرلمان “ففي بلد كلبنان حيث تعتبر الأحزاب ترشيح المرأة عملاً خارقاً يستحق التهنئة وحيث المجتمع تربّى على الأفكار الذكورية لا يمكن تأمين حضوراً فعلياَ للمرأة في البرلمان إلا عبر التوعية المجتمعية وفرض القوانين، لا سيما إقرار الكوتا النسائية لعدة دورات إنتخابية”.
وكشفت أنّه يجري العمل مع العديد من الجمعيات مثل 50/50 والهيئة الوطنية لشؤون المرأة وتم التواصل مع النائبة عناية عز الدين، والاجتماع مع كل النواب، وهم يظهرون انفتاحهم على إقرار هذا القانون، إلا أنه عندما نصل لإقراره يتراجعون عنه بحّجة أنهم لا يريدون حدّ وجود المرأة في البرلمان بالكوتا النسائية.
ربيع الهبر: تفاوت في نسب ترشح النساء
أشار الخبير الإنتخابي ربيع الهبر الى أن عدد النساء اللواتي ترشحن الى الانتخابات النيابية في تزايد مستمر إذ ارتفعت النسبة من 1.71% في انتخابات 2009 إلى 11.6% في الـ 2018 لتبلغ 15% في الانتخابات الأخيرة التي حصلت عام 2022.
ولكن بحسب الأرقام الصادرة عن شركة “Statistics Lebanon” فالمشكلة الرئيسية بعدم وصول النساء الى سدّة البرلمان تكمن في قضية تبني صانعي اللوائح ترشيحهن، إذ أنّ في العام 2009 لم تتعد نسبة تبني ترشيح النساء داخل اللوائح الانتخابية 2.01% لترتفع إلى 14.4% في الـ 2018 وتصل إلى 16.4% في الـ 2022.
أما عدد النساء اللواتي وصلن الى المجلس فما زال ضئيلاّ جداً رغم الإرتفاع البسيط من العام 2009 مع 4 نائبات، إلى العام 2018 حيث وصلت 6 نساء الى البرلمان، وصولا الى العام 2022 حيث دخلت الى المجلس 8 سيدات.
جومانا مرعي: لتبني الكوتا الطوعية
بحسب الناشطة في مجال حقوق المرأة ومديرة المعهد العربي لحقوق الإنسان في لبنان جومانا مرعي لم يتمكن لبنان من تأمين وصول النساء إلى البرلمان كما يجب لا من حيث الترشيح ولا من حيث إقرار الكوتا بالتمثيل.
وقالت بو مرعي يفترض خلق إرادة سياسية لدى الأحزاب والتحالفات لكي تتبنّى الكوتا الطوعية في الانتخابات وبعض الأحزاب بدأت بتطبيق الكوتا داخلها وهذا الأمر يتطلب استراتيجيات عمل. والأمور تتطور بشكل إيجابي وبدأ وجود المرأة في العمل السياسي يأخذ منحاَ أفضل وبدأ المجتمع يتقبل دورها ووجودها في الميدان السياسي.
وشدّدت بو مرعي على أن كل التجارب أثبتت ضرورة المرور بالكوتا الطوعية وصولاَ إلى تأمين وصول المرأة إلى المجلس النيابي. وختمت بالقول: “المجتمع بدأ يتقبل عمل المرأة بشكل افضل ولكن للنهوض بالمشاركة السياسية للمرأة لا بد من المرور بآليات التدابير الإيجابية المؤقتة. وإذا لم تتمكن النساء من انتزاع حقوقهن بالقوانين الانتخابية والأنظمة السياسية، يجب اقلّه خلق إرادة سياسية لدى الأحزاب لضمان وصول المرأة إلى البرلمان”.
إذًا، تؤكد تجارب المرشحات في الانتخابات النيابية اللبنانية لعام 2022 أن الطريق نحو تمثيل نسائي عادل لا يزال مليئًا بالتحديات، من غياب الدعم الحزبي الحقيقي إلى الضغوط المجتمعية والعوائق القانونية. ورغم تزايد أعداد النساء اللواتي يترشحن، فإن وصولهن إلى البرلمان يبقى محدودًا، ما يعكس الحاجة الملحّة لإجراءات داعمة، أبرزها إقرار الكوتا النسائية كخطوة انتقالية نحو تحقيق المساواة في التمثيل السياسي.
ففي بلد لا تزال فيه الذهنية الذكورية حاضرة بقوة في الحياة السياسية، يصبح من الضروري العمل على مستويين: تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية مشاركة المرأة، وإقرار تشريعات تضمن تمثيلها الفعلي وليس الشكلي. فالمعركة ليست فقط من أجل زيادة الأرقام، بل من أجل إحداث تغيير حقيقي في المشهد السياسي اللبناني، بحيث تصبح مشاركة المرأة في صنع القرار واقعًا لا استثناءً.
تم إعداد هذا التقرير في إطار مشروع “مساحة معلومات آمنة لتعزيز مشاركة النساء في المجال العام” بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة – لبنان – والسفارة البريطانية في بيروت. إن محتوى هذا المقال لا يعكس بالضرورة وجهات نظر هيئة الأمم المتحدة للمرأة والسفارة البريطانية في بيروت.