لا يزال بعض القضاة يكرّسون صورة منقوصة عن تحقيق العدالة، متجاهلين أبسط القواعد القانونية في أصول المحاكمات الجزائية. وفي ظل هذا الواقع، يتم التعامل مع ملفات بالغة الحساسية، تتطلب معالجة دقيقة وحرفية عالية، بمنطق يغلب عليه الاستنساب، كما هو الحال في قضية الحاكم السابق لمصرف لبنان، رياض سلامة. وفي فضيحة جديدة تضاف إلى سلسلة الخروقات القانونية في هذا الملف، أصدرت الهيئة الاتهامية في بيروت قرارًا يعكس حجم التخبط القضائي الحاصل.

فقد قبلت الهيئة الاتهامية استئناف النيابة العامة المالية ضد قرار قاضي التحقيق الأول بالإنابة، بلال حلاوة، القاضي بترك المحاميين ميكي التويني ومروان عيسى الخوري. إلا أن الصدمة لم تكمن في قبول الاستئناف بحد ذاته، بل في طبيعة القرار الذي قضى بإصدار مذكرات توقيف وجاهية بحق التويني وعيسى الخوري، رغم عدم تبليغهما أصولًا بموعد الجلسة، وعدم مثولهما أمام الهيئة، وهو ما يشكّل مخالفة واضحة لأبسط القواعد القانونية التي ينص عليها قانون أصول المحاكمات الجزائية، والذي يحدد أن إصدار مذكرات التوقيف الوجاهية محصور فقط بمن يمثل شخصيًا أمام القاضي.

في ظل هذا النهج، جاء قرار الهيئة الاتهامية بإصدار مذكرات توقيف وجاهية، إلا أن هذا القرار لا قيمة قانونية له، نظرًا لأن هذا النوع من المذكرات لا يمكن تعميمه على الأجهزة الأمنية والمنافذ الحدودية، بعكس مذكرات التوقيف الغيابية التي يتم تعميمها تلقائيًا لتنفيذها من قبل الضابطة العدلية. وبالتالي، يصبح تنفيذ هذه المذكرات أمرًا شبه مستحيل، مما يطرح علامات استفهام حول جدوى القرار وأبعاده القانونية.

الأخطر في هذا القرار هو تعدّي الهيئة الاتهامية على صلاحياتها القانونية، حيث لا يحق لها إصدار مذكرات توقيف وجاهية بحق أشخاص لم يكونوا حاضرين أمامها. وقد جاءت مخالفة رئيس الهيئة الاتهامية لهذا القرار، إلا أن تعليله لم يكن بسبب هذا الخلل القانوني الجوهري، بل استند إلى اعتبار أن قاضي التحقيق يتمتع بسلطة استنسابية مطلقة تتيح له استبدال التوقيف بوضع المشتبه به تحت الرقابة القضائية.

وفي اتصال مع الوكيل القانوني لسلامة، المحامي مارك حبقة، أكّد أن “ما يحصل هو من فائض القوة والمخالفات الجسيمة، وهو ما يستدعي تدخلًا عاجلًا من القيمين على العدالة في لبنان لتقويم هذا الاعوجاج”.

إن ما تشهده قضية رياض سلامة من تجاوزات قانونية وشعبوية في القرارات القضائية، يؤكد أن هذا الملف يُدار بخفة وعدم مهنية، وهو ما يستدعي تدخلًا عاجلًا من وزير العدل لمراقبة ومتابعة هذا الملف الحساس، الذي لا يقتصر تأثيره على أفراد بعينهم، بل يطال مصلحة الوطن ككل. فهل يتحرك وزير العدل لتصحيح المسار، أم سيبقى القضاء عرضة للاستنسابية والتسييس؟

  

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version