كتبت نور الأسطا في موقع JNews Lebanon

في عصر الإعلام الرقمي، لم تعد الكلمات مجرد تعابير، بل باتت أسلحة رقمية قد تُستخدم لتأجيج الصراعات وزيادة الانقسامات. في لبنان، ومع تصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية منذ العام 2019، تحول خطاب الكراهية الإلكتروني إلى أداة خطيرة في يد بعض الجهات السياسية وأحياناً إعلامية، ما يهدد التماسك الاجتماعي ويؤجج العنف ضد فئات اجتماعية مختلفة. ورغم خطورة هذا النَّوع من الخطاب، فإنَّه لا يزال مفهوماً مثيراً للجدل، لا سيَّما في سياق التوازنِ بينَ حريَّة التَّعبير وضرورة مكافحة التَّمييز وضمان المساواة على قاعدة المواطنة والنوع الاجتماعي.

وبحسب الأمم المتحدةِ يُعرَّفُ هذا الخطابُ بأنَّهُ أيُّ نوعٍ من التَّواصل، سواء كان شفهياً، مكتوباً، أو سلوكياً، يتضمنُ هجوماً أو لغة ازدرائيَّة أو تمييزية تستهدف فرداً أو جماعة بناءً على الهويةِ. فما هو تأثيره على الرأي العام اللبناني؟

وسائل التواصل الاجتماعي: أداة خطيرة بيد المحرّضين

تشير العديد من الإحصائيات إلى أن 85% من اللبنانيين يستخدمون الإنترنت، وتُعتبر منصات فيسبوك، إكس، وإنستغرام الأكثر استخداماُ لاستهلاك الأخبار . لكن بدلًا من أن تكون هذه المنصات مساحة للحوار، تحولت إلى ساحة معارك رقمية، حيث تستخدمها بعض الجهات السياسية والإعلامية لنشر الشائعات والتحريض ضد فئات معينة.

أفاد تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية بأن فيسبوك و إكس (تويتر سابقاً) لا ينجحان في السيطرة على المحتوى التحريضي في منطقة الشرق الأوسط. كما أظهرت أبحاث المنظمة أن خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي مصممة لزيادة التفاعل الموجه إلى أقصى حد، مما يسهم في كثير من الأحيان في تضخيم المحتوى الضار والتحريضي بشكل غير متناسب. على الرغم من أن شركة ميتا قامت بتخفيض الحد الأدنى المطلوب في إخفاء المحتوى العدائي من 80% إلى 25% بالنسبة للمحتوى القادم من مناطق واسعة في الشرق الأوسط، إلا أن المشكلة لا تزال قائمة.

الإعلانات الموجهة في نشر الكراهية

أحد العوامل المساهمة في انتشار خطاب الكراهية هو الإعلانات الموجّهة التي تستخدمها الأحزاب السياسية والمجموعات المتطرفة للترويج لأجنداتها. على سبيل المثال، حذر المتحدث باسم قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، أندريا تيننتي، من أن الأخطار والصعوبات التي تواجه القوة قد تفاقمت بسبب الإعلانات الموجهة وحملات التضليل المتعمدة ضد البعثة.

ضحية الكلمات: من التهديدات الافتراضية إلى الخطر الحقيقي

شهدَ لبنانُ خلالَ السنواتِ الأخيرةِ تفشيًا واسعًا لخطاباتِ الكراهيةِ عبرَ الإنترنتِ، والتي تستهدفُ أفرادًا أو مجموعاتٍ بسببِ خلفياتِهم العرقيةِ، الدينيةِ، الجنسية أو السياسيةِ.

في أيلول 2021، تلقت الصحافية اللبنانية لونا صفوان تهديدات متكررة على وسائل التواصل الاجتماعي بعد نشرها تعليقاً سياسياً. الحملة الإلكترونية التي استهدفتها لم تقتصر على الشتائم، بل تضمنت تهديدات مباشرة بالقتل، ما دفعها لمغادرة لبنان لفترة حفاظاً على سلامتها. صفوان ليست الوحيدة، فقد كشف تقرير مراسلون بلا حدود أن 50% من الصحافيات اللبنانيات تعرضن للعنف الرقمي بسبب آرائهن السياسية وبسبب كونهن نساء.

وفي حادثة أخرى، أدت حملة إلكترونية منظمة إلى مهاجمة اللاجئين السوريين بعد انتشار إشاعات بأنهم السبب وراء ارتفاع معدلات البطالة والجريمة. وبحسب دراسة أجرتها مؤسسة سمير قصير عام 2023 أظهرت أن 25% من المنشورات السياسية على منصات التواصل الاجتماعي في لبنان تحتوي على محتوى تحريضي ضد اللاجئين، ما ضاعف تأثير التوترات الاجتماعية .

التداعيات الاجتماعية

لا يقتصر تأثير خطاب الكراهية الإلكتروني على السياسة فحسب، بل على المستوى الاجتماعي فقد ارتفعت جرائم الكراهية.

كشفت دراسة أعدتها مؤسسة “سمير قصير” عن خطورة خطاب الكراهية، مشيرة إلى أن العديد من الأفراد تعرضوا للعنف الجسدي الذي بلغ حد القتل. كما سلطت الدراسة الضوء على حادثة اغتيال الكاتب والباحث والناشط السياسي اللبناني، لقمان سليم، مشيرة إلى أن في سبتمبر 2021، نشرت المؤسسة دراسة حول شبكات الكراهية المعقدة التي كانت تستهدف سليم، والتي استمرت في استهدافه حتى بعد وفاته.

دور القانون وحقوق الإنسان في المواجهة

في لبنان، لا يوجد قانون واضح يجرّم خطاب الكراهية الإلكتروني، ما يفتح المجال أمام التلاعب بالمحتوى الرقمي لأغراض سياسية واجتماعية. وعلى الرغم من وجود قوانين تُعاقب على التحريض الطائفي، فإنها نادراً ما تُطبّق على الفاعلين الرئيسيين في الإعلام والسياسة، مما يسمح بازدهار هذه الظاهرة.

تعمل بعض المنظمات الحقوقية، مثل “المبادرة اللبنانية لمناهضة التمييز والعنصرية”، على الضغط من أجل تشريع يجرّم التحريض الرقمي، لكن التحديات السياسية تحول دون تحقيق تقدم ملموس.

ماذا عن حرية التعبير؟

وفقًا للمادّة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حرية التعبير حق أساسي، لكنه لا يشمل التحريض على الكراهية أو العنف. في عام 2022، أصدرت الأمم المتحدة استراتيجية لمكافحة خطاب الكراهية، مؤكدةً أن منصات التواصل الاجتماعي يجب أن تتحمل مسؤولية مراقبة المحتوى التحريضي واتخاذ إجراءات بحق المخالفين.

ضرورةُ مكافحةِ خطابِ الكراهيةِ: الحلولُ والمقترحاتُ

في لبنان، تم تنفيذ عدة مبادرات وإجراءات لمكافحة خطاب الكراهية الإلكتروني، وذلك من خلال التعاون بين الجهات الحكومية والمنظمات الدولية والمجتمع المدني. من أبرز هذه الجهود طاولة مستديرة نظّمتها الأمم المتحدة في لبنان في تشرين الثاني 2021 حول خطاب الكراهية والتضليل الإعلامي، ناقشت خلالها آليات تطوير خطة عمل وطنية لمكافحة هذه الظاهرة. ركّز اللقاء على تأثير الخطاب التحريضي على المجتمع، ودور الإعلام في مواجهته، وكيفية تعديل الإطار القانوني لضبط المحتوى الرقمي. كما تضيف اتفاقية الشراكة بين منظمة اليونسكو ووزارة الإعلام اللبنانية، بالتعاون مع المنظمة الدولية للفرنكوفونية (OIF). تهدف هذه الاتفاقية إلى مواجهة الأخبار المضللة وخطاب الكراهية عبر حملة إعلامية واسعة تُبث على القنوات التلفزيونية ومنصات التواصل الاجتماعي، لتعزيز وعي المواطنين والمواطنات بأهمية التفكير النقدي وتمكينهم من تمييز الأخبار المضللة. كما تتضمن المبادرة برامج تدريبية للصحافيين في وكالة الأنباء الوطنية اللبنانية لتطوير مهاراتهم في تدقيق المعلومات وصناعة التقارير الصحفية المرئية.

هي طريق طويلة ومتعبة، لكن كلّ هذه الجهود تعكس تزايد الوعي بضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لمكافحة خطاب الكراهية في الفضاء الرقمي اللبناني، لكنها لا تزال بحاجة إلى تعزيز من خلال إصلاحات قانونية وتعاون أوسع بين مختلف الجهات المعنية.

ما العمل؟

لمكافحة خطاب الكراهية الإلكتروني في لبنان، لا بد من تبني مقاربة تعدد أصحاب المصلحة وهي تتطلب إجراءات قانونية وإعلامية واجتماعية متكاملة.

أولاً، تعديل القوانين اللبنانية لتشمل خطاب الكراهية الإلكتروني ضمن الجرائم المعاقب عليها، مما يسد الثغرات القانونية التي تسمح للمحرضين بالإفلات من العقاب. ثانياً، العمل مع منصات التواصل الاجتماعي لاتخاذ تدابير تجاه المحتوى التحريضي، مثل تطوير خوارزميات أكثر كفاءة في رصد وإزالة المنشورات المسيئة، العمل على تقوية المحتوى باللغة العربية، بالإضافة إلى فرض عقوبات على الجهات التي تستخدم هذه المنصات لنشر الكراهية. ثالثاً، من الضروري إطلاق حملات توعية وطنية تهدف إلى تعزيز ثقافة الحوار والانفتاح بين المواطنين، بما يسهم في الحد من تأثير الخطاب التحريضي على المجتمع. وأخيراً، لا يمكن تجاهل دور الصحافة المسؤولة والبناءة في التصدي لانتشار الأخبار المضللة، لذا يجب تدريب الصحافيين على كيفية رصد خطاب الكراهية وتفنيده، مما يسهم في تقديم محتوى إعلامي أكثر توازنًا ومصداقية.

إن انتشار خطاب الكراهية الإلكتروني في لبنان لم يعد مجرد ظاهرة عابرة، بل تحول إلى أزمة حقيقية تهدد التماسك الاجتماعي والاستقرار الأمني. وبينما تواصل القوى كثيرة استغلال هذه المنصات لتصفية حساباتها، يدفع المواطن والمواطنة اللبناني/ة الثمن. ويبقى الحل في تبني مقاربة قانونية وإعلامية متكاملة، تحترم حرية التعبيرمن دون السماح بتحويل المنصة إلى مكان للتحريض والعنف.

المراجع:

1-    https://www.un.org/ar/hate-speech/understanding-hate-speech/what-is-hate-speech

2-    https://datareportal.com/reports/digital-2024-lebanon

3-    https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2023/10/global-social-media-companies-must-step-up-crisis-response-on-israel-palestine-as-online-hate-and-censorship-proliferate/?utm_source

4-    https://aawsat.com/home/article/4070501/%C2%AB%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A%D9%81%D9%8A%D9%84%C2%BB-%D8%AD%D9%85%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B6%D9%84%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D9%86%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86?page=6

5-    https://rsf.org/ar/ثلاث-صحفيات-لبنانيات-تحت-وطأة-التنمر-على-منصات-التواصل-الاجتماعي

6-    https://www.skeyesmedia.org/ar/News/Reports/13-09-2023/10893%26author%3D781

7-    https://www.alhurra.com/lebanon/2023/04/12/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D9%8A%D8%B1%D8%B5%D8%AF-%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8%D8%A7-%D9%85%D9%85%D9%86%D9%87%D8%AC%D8%A7-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A6%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%85%D9%91%D8%B4%D8%A9?amp

8-    https://www.un.org/en/hate-speech

9-    https://www.unesco.org/ar/articles/khtwat-fwalt-lmkafht-altdlyl-alalamy-wkhtab-alkrahyt-twqy-atfaqyt-shrakt-byn-wzart-alalam-alywnskw

10-                    https://lebanon.un.org/ar/187197-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%AD%D8%A9-%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%86-%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%AD%D9%85%D9%84%D8%A9-%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version