أشعل تسريب مسودة مشروع قانون الفجوة المالية موجة من الجدل في الأوساط الاقتصادية والسياسية اللبنانية، المشروع، الذي يهدف إلى معالجة حجم الفجوة المالية في البلاد وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، يضع المودعين أمام سلسلة من التساؤلات حول حقوقهم، بينما يراقب صندوق النقد الدولي عن كثب مدى توافقه مع معايير الإصلاح المالي والاقتصادي المطلوبة.
في هذا السياق، أوضح الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أنيس أبو دياب، في حديث لـ”ليبانون ديبايت”، أنه “لا يمكنه تحديد موقف صندوق النقد الدولي بدقة، إلا أنه يرى أن المشروع لن يكون بعيدًا عن مقاربة الصندوق، خصوصًا فيما يتعلق بالتدقيق في رساميل المصارف، وهي إحدى الركائز التي اعتمد عليها الصندوق سابقًا”.
وأشار أبو دياب إلى أن “النقطة التي تتعلق بتفاصيل الودائع، خصوصًا تلك التي جرى تحويلها من الليرة إلى الدولار بعد الأزمة، إضافة إلى الفوائد المرتفعة، وهذه عناصر أساسية تكشف حجم الفجوة المالية بشكل واضح، ومن المعروف أن مشروع القانون سيُطرح على مجلس الوزراء خلال الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة قبل الأعياد”.
وبرأيه، “أي قانون سيصدر سيكون بطبيعته مصلحيًا بين الأطراف، لأن من المستحيل أن يرضي الجميع، الملف يتقاطع فيه أصحاب مصالح متعددة: المودعون، المصارف، مصرف لبنان، والجهات الدولية، وبالتالي فإن أي قانون محتمل سيكون في أساسه تسوية سياسية تتطلب قرارًا سياسيًا واضحًا، مهما تكرّر النقاش حوله أو تعدّدت صيغته، لأن جوهره لن يتغير دون هذا القرار”.
ولفت إلى أن “القانون يشهد إجحافًا نسبيًا، حيث ستدفع الدولة جزءًا من الدين العام عبر سندات تُحرر بشيكات لصالح المصرف المركزي بنسبة فائدة تقارب 2% ولآجال طويلة، ما يعيد تشكيل العلاقة المالية بين الدولة والمصرف المركزي ويؤسس لعملية إعادة تمويل تدريجية، بالتوازي، سيتم إعادة هيكلة القطاع المصرفي بما يشمل إعادة رسملة المصارف خلال الأشهر الثلاثة الأولى، أما بالنسبة للمودعين، فستمتد آجال استخدام أو استرداد الودائع من أربع إلى عشرين سنة بحسب حجم الوديعة وطبيعة الحساب، وهذه إحدى أعقد نقاط الملف”.
وأكد أبو دياب أن “أي قانون يضع مسارًا للحل يبقى أفضل من عدم وجود قانون، فقد أمضينا ست سنوات في قلب الأزمة وما زلنا ندور في الحلقة نفسها. ليس المودعون وحدهم من يدفع الثمن، بل كامل الاقتصاد اللبناني، لأن قطاعًا مصرفيًا متعثّرًا يعجز عن تمويل القطاعات الإنتاجية أو دعم الحركة الاقتصادية. وإذا نجحت الحكومة في إنجاز المشروع، وتلاه إقراره في المجلس النيابي، فستبدأ بعدها سلسلة طويلة من الإجراءات، بما في ذلك مراسيم تصدرها وزارة المالية وتعليمات يصدرها مصرف لبنان لتنفيذ القانون”.
وأضاف: “نحن أمام مسار معقد وطويل لا يُحسم في يومين أو أسبوعين، لكنه المسار الوحيد للخروج من الجمود. صحيح، لا يوجد قانون يمكن أن يرضي الجميع، لكن وجود قانون يبقى أفضل بكثير من غيابه. لهذا أقول: حل اليوم أفضل من حل بعد سنة، وحل بعد سنة أفضل من حل بعد سنتين، المهم أن يبدأ المسار، لأن استمرار الانتظار هو بحد ذاته خسارة مؤكدة”.
