عاد ملف التهرّب الضريبي والجمركي إلى الواجهة بقوّة، بعد الخطوة غير المسبوقة التي اتخذها وزير المالية ياسين جابر عبر كشف لائحة شركات كبرى امتنعت لسنوات عن دفع الضرائب المتوجبة عليها، قبل أن تبدأ بعض هذه الشركات بالامتثال وتسديد ما يترتب عليها تحت ضغط الإجراءات الجديدة. هذا التطور أعاد فتح النقاش حول الحجم الحقيقي للاقتصاد الأسود في لبنان، وحجم الخسائر التي تتكبّدها الخزينة سنوياً، في ظل مساعٍ حكومية لتشديد الرقابة واعتماد تقنيات حديثة للحد من التزوير والتهرّب.

في هذا السياق، يشرح الخبير والكاتب الاقتصادي أنطوان فرح في حديث إلى “ليبانون ديبايت” الصورة الكاملة للمشكلة والإجراءات المطلوبة لمعالجتها.

ويرى فرح أنّ الاقتصاد اللبناني يعاني منذ سنوات طويلة من موضوع التهرّب الضريبي والتهرّب الجمركي، حيث كانت الإحصاءات تشير إلى أنّ نصف الاقتصاد اللبناني تقريبًا هو اقتصاد أسود، بمعنى غير شرعي ولا يدفع ضرائب، وبالتالي يمكننا أن نقدّر بشكل عام أنّ الخزينة اللبنانية كانت تخسر حوالي نصف إيراداتها بسبب هذه الأزمة المزمنة.

ويشير إلى أنه منذ وصول الوزير ياسين جابر إلى وزارة المالية، لا شكّ أنّ هناك إجراءات يتمّ اتخاذها لتخفيف هذه المشكلة. اليوم، بانتظار تركيب ماكينات الـ”سكانر” الحديثة في مرفأ بيروت ومرفأ طرابلس، من المؤكّد أنّ هذا سيساهم في تخفيف التهرّب الجمركي، وفي الوقت نفسه فإن البرامج الحديثة التي يتمّ وضعها ستساهم أيضًا في تخفيف التهرّب الضريبي.

ويبقى التهرّب الضريبي والموضوع الذي أثاره وزير المالية في مجلس الوزراء مهمَّين، ويعتبر فرح في هذا الإطار أنّ هذا الإجراء كان يجب اتخاذه منذ فترة طويلة. لكن اللافت أنّ هذا الموضوع يتعلّق بلائحة من الشركات التي لا تدفع الضرائب، وبالتالي هذا جزء من المشكلة ويجب أن يُعالَج ويحقّق إيرادات إضافية للخزينة.

ويوضح أنه لاحظ هذا الأمر من خلال موازنة عام 2024، والآن عام 2025، عندما بدأ يتبيّن أنه ليس هناك عجز في الموازنة، بل هناك فائض. لكن برأيه، هذا الأمر غير كافٍ، لأن لدينا مشكلة أخرى تتعلّق بالتهرّب الضريبي من خلال تزوير أو تبديل المستندات. نحن نعلم أنّ جزءًا كبيرًا من الشركات التي تدفع ضريبتها لا تدفعها بشكل كامل، وهذا أيضًا يشكّل مشكلة كبيرة.

ويلفت إلى أنه إلى جانب الاقتصاد الأسود الذي يرتبط بشركات لا تدفع الضرائب نهائيًا، هناك تهرّب ضريبي من خلال شركات تدفع الضرائب على غير حقيقة مداخيلها وأرباحها، وهذا أيضًا يحتاج إلى معالجة.

ويؤكد أنه لدينا مجموعة إجراءات، ويعتقد أنّ الإجراء الأهم الذي لم يُتّخذ حتى الآن هو ربط عملية دفع الضرائب بالقطاع المصرفي بشكل مباشر، بمعنى أنّ البيانات المالية للشركات الموجودة في المصارف وحركة أموال هذه الشركات يجب أن تُنقل مباشرة إلى وزارة المالية، حتى لا يكون لدينا ما يُعرف بسياسة “الدفترين”. فهذه السياسة هي التي تأكل من درب الخزينة أموالًا كثيرة.

ويجزم فرح، أنه إذا أُقدمنا على هذه الخطوة، بالإضافة إلى مكافحة الشركات التي لا تدفع نهائيًا الضرائب والتي بدأ بها الوزير جابر، إلى جانب استكمال عمليات منع التزوير والتهرّب الجمركي، فإنه يعتقد أنّ إيرادات الخزينة يمكن أن ترتفع – حسب التقديرات – بقيمة مليار إلى مليار ونصف دولار. وهذا رقم كبير جدًا بالنسبة لحجم الاقتصاد الحالي، ومن المؤكّد أنه يغيّر مشهد الخزينة ومشهد إيرادات الدولة.

شاركها.

التعليقات مغلقة.

Exit mobile version