كتب نجم الهاشم في نداء وطن:
لم يترك “حزب الله” له صاحبًا في لبنان. حتى نبيه برّي، رئيس مجلس النواب ورئيس حركة “أمل” وثاني أركان “الثنائي الشيعي” الملتحق بـ “الحزب”، لا يجاريه في سياساته الكربلائية. في كل مرّة عندما يتحدّث البعض عن حرب وشيكة ستندلع يسارع برّي ويستبعد أن تحصل حرب جديدة. ولكن في الوقت نفسه لا يفعل برّي ما يمكن أن يضع حدًّا لتهوّر “الحزب” ودفعه الأمور نحو انفجار كبير وحرب جديدة قد تشنها إسرائيل. إذا حصل ذلك سيجد “الحزب” نفسه وحيدًا في مواجهة لن يقف إلى جانبه فيها أي طرف.
لم يأخذ “الحزب” برأي أيّ كان في احتكار قرار الحرب والسلم منذ أعطى لنفسه هذه المهمة قبل أربعين عامًا تقريبًا. طالما أعلن أمينه العام السابق السيد حسن نصرالله أن “الحزب” لم يبحث عن أي إجماع، ولم ينتظر مثل هذا الإجماع، وعمّن يمكن أن يجاريه في مغامراته العسكرية. كان يعتبر أنه مكلّف من الله بهذه المهمة عندما ردّ على من يسألونه عمّن كلفه.
فرض “حزب الله” نفسه بالقوة على الدولة وعلى سائر الأفرقاء الآخرين. ومن لم يستخدم معه القوة اشتراه بالمال والتقديمات، وقد بدأ بعض من معه كشف بعض معلومات عن عطايا “الحزب” خصوصًا لمن يعتبر أنهم خانوه.
خيانات أم تصحيح مسارات؟
لا يمكن الحديث في هذا المجال عن خيانات. كانت هناك مصالح متبادلة بين “الحزب” وحلفائه المفترضين الذين كان يريدهم لتوسيع دائرة نفوذه داخل مؤسسات الدولة الرسمية في مجلسي النواب والوزراء لاستخدامهم في عمليات تعطيل الدستور.
بعدما خاض حرب المساندة خسر “الحزب” معظم الذين كانوا معه. البعض تركه لأنه أوقف عمليات الدفع. البعض الآخر لأنه فضل أن ينهزم “الحزب” لوحده وبدّل خياراته السياسية لأن العلاقة مع “الحزب” صارت سببًا للخسارة الشعبية في الانتخابات. انقلبت الآية. بدل أن تكون العلاقة مع “الحزب” مصدر قوة وحضور صارت مصدر ضعف.
التيار: بعيد عنك حياتي عذاب
منذ دخل “الحزب” حرب المساندة بعد عملية طوفان الأقصى، ابتعد عنه معظم حلفائه. “التيار الوطني الحر” ساءت علاقته معه قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون بعدما اختار نصرالله رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مرشحًا باسمه لرئاسة الجمهورية مستبعدًا رئيس التيار جبران باسيل. بعد بدء الحرب كثر انتقاد باسيل لانخراط “الحزب” فيها على خلفية أنها لا تهمّ لبنان، وأن “الحزب” هو من أعلنها وأن ليس على لبنان تحمّل أعباء هذه الحرب دعمًا لحركة “حماس” في غزة. ولكن في الغالب لم يغادر باسيل مربّع البقاء في دائرة احتمالات العودة إلى التحالف مع “الحزب” في انتخابات أيار 2026 نظرًا لانهيار شعبية التيار والانقسامات التي عانى منها ولحاجة “الحزب” إليه أيضًا على رغم التحفظات الكثيرة على سياساته وانتقاداته. فالحُجّة هنا هي أمّ التخالف واختراع التبريرات. ولكن مثل هذا الأمر يبقى أيضًا عرضة للتبدّل في حال تطوّرت الأمور نحو حرب جديدة يفرضها “الحزب” على لبنان، بسبب عدم تنازله في موضوع نزع سلاحه وتسليمه إلى الجيش اللبناني.
على الخط المسيحي لا يمكن الحديث عن أي علاقة إيجابية بين “الحزب” وأي مكوّن مسيحي. إذا كانت علاقته مع “التيار” مبنية على المصلحة المشتركة وبحسب العنوان فإن القواعد السياسية والشعبية المسيحية تقف في الجانب الآخر الداعم لسيادة الدولة، والمعارض لسياسة “الحزب” التي كانت السبب في الحرب وتدمير لبنان. ولا يريد أي مسيحي اليوم أن تعود هذه الحرب. ويعتبر المسيحيون بشكل عام أن “الحزب” هو الذي يستدرج إسرائيل إلى هجوم جديد ولن يدافع عنه أحد.
حتى الحلفاء الدروز تركوه
في الجانب الدرزي وقف الدروز في شكل عام ضد “الحزب” وحروبه. حتى الذين كانوا مع “الحزب” سياسيًا ابتعدوا عنه وإن لم يعلنوا أنهم صاروا ضدّه. الحزب “التقدمي الإشتراكي” كان موقفه معروفًا منذ ثورة 14 آذار وغزوة 7 أيار. الوزير السابق وليد جنبلاط يزين مواقفه وكلماته للإبقاء على نوع من الهدنة الهشة مع “الحزب” لأنه يعرف أن القواعد الشعبية والحزبية مشحونة ولا يحتاج الوضع إلّا إلى شرارة بسيطة حتى ينفجر. ولذلك عمل جنبلاط على التنسيق مع الوزير السابق طلال أرسلان لاحتواء التوترات لأن القواعد الإرسلانية، وإن كانت بحجم أدنى من حجم القواعد الإشتراكية، لا تقلّ توترًا عنها في العلاقة مع “الحزب”. أمّا التحول الأكبر فكان في العلاقة مع الوزير السابق وئام وهّاب على خلفية مواقفه المؤيّدة لمطالب الشيخ موفق طريف في إسرائيل، والشيخ حكمت الهجري لحماية الدروز في السويداء وكل سوريا. وكان من اللافت أن جماهير “الحزب” شنت حملات تكفير ضد وهّاب وابنه هادي بعد كلام قاله حول الطريقة التي تجب فيها مواجهة إسرائيل ولا تتفق مع ما يريده “الحزب”.
السنة خارج التحالف
على المستوى السني، لم يبق مع “الحزب” إلا بعض الأسماء التي لا تمثل إلّا نفسها. من النواب أسامة سعد إلى فيصل كرامي وحسن مراد الذين كانوا محسوبين على “الحزب” وخطه، وصولًا إلى كل النوّاب السنة وجمعية المشاريع الإسلامية، الأحباش، بات الشارع السني في مكان آخر لا يتفق في أي عنوان مع الحزب. وانتقالًا إلى المستوى العسكري انتهى أيضا التعاون الذي قام خلال الحرب مع التنظيم العسكري لـ “الجماعة الإسلامية” التي اغتالت إسرائيل عددًا من قادتها وأخرجتها من اللعبة، خصوصًا بعد هدنة غزة وقبول حركة “حماس” بتسليم أسلحتها. وهذا الأمر سينعكس أيضًا على موقف الحركة في لبنان تجاه استمرار التنسيق مع “الحزب”.
لا تكرار لاحتضان النازحين
على رغم تحفظات الأطراف اللبنانية المختلفة على خوض “الحزب” حرب المساندة إلّا أن أيًا منهم لم يقف ضد “الحزب” على الأرض. هكذا برز التضامن مع القواعد الشعبية الشيعية بحيث فتحت كل المناطق أبوابها وبيوتها لاستقبال الذين أجبرتهم هذه الحرب على النزوح من منازلهم. كان كلّ هؤلاء يعتبرون أن الحرب انتهت بعد موافقة “الحزب” على اتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني 2024 الذي ينصّ على نزع سلاحه. ولكنهم تفاجأوا لاحقًا بأن “الحزب” يتنصّل من التقيّد بمضمون هذا الاتفاق ويريد أن يفرض نفسه عليهم وعلى الحكم والدولة، وأن يعيد السير في الطريق نفسه الذي قاد إلى هزيمته حتى ولو كان لبنان كله سيدفع ثمن هذه الهزيمة.
بدل أن يستوعب “الحزب” تداعيات علاقاته المتهاوية مع الذين كانوا معه أو ضدّه عمل خلال عام كامل على إخراج كل ما يبيّته من نوايا سيّئة تجاه الآخرين. هذا الزرع السياسي الذي بذره في الأرض اللبنانية لا يمكن أن يُنبِت إلّا ما يشبهه من الحقد والردّ على الإساءات بالمثل.
ولذلك هذه المرة إذا حصلت الحرب، لن يجد “الحزب” من يتضامن معه أو يدافع عنه. وسيجد نفسه وحيدًا في المعركة. حتى على مستوى الشوارع اللبنانية، لن يكون هناك اعتماد لسياسة الأبواب المفتوحة لاستقبال النازحين خصوصًا إذا تطوّرت الحرب إلى اجتياح بَرّي محدود أو واسع. والتجربة التي يعيشها الشارع الشيعي يوميًا تشير إلى عدم اطمئنان إلى قدرة “الحزب” على الصمود في وجه أي هجوم إسرائيلي جديد. ولذلك يسارع أبناء بيئة “الحزب” إلى الهروب بعد كل إنذار إسرائيلي بالقصف واستهداف مواقع محددة. ولكن إلى أين المفرّ إذا توسّعت الحرب واستمرّت أيامًا كما تهدّد إسرائيل؟ على “الحزب” أن يجد حلًّا لهذه المسألة لأن الحرب لم تعد كبسة زرّ.
